سأحدثك عن بعض ما سمعت من أخبار أناس أخذهم جشعهم وحبّ الدنيا ومتاعها إلى طريق مظلم… ظلموا فيه أنفسهم وغيرهم. 

سأحدثك عن أولئك الذين يأخذون الأنفاس الأخيرة… وأخبرك عن بعض ما قد يبقى من بعدهم. 

غسل ودفن وعزاء، حزن وألم وبكاء… ثم وحدة وفراق.

فراق للأحباب… يُحْثى عليهم التراب… ويُترَكُون وحدهم… ومن ذا يؤنس في تلك الدار غير عمل صالح ودعاء محب؟

أما من بقي في ديارنا هذه… فيا حسرة على كثير مما سمعت ورأيت.

رأيت من يتصرف بمال التركة بُعَيْدَ الوفاة، قبل أن يُحصَرَ الإرث ويُوَزَّعَ على مستحقيه. يبيع الأثاث ويبحث في الجيوب والمخابئ، عساه ينال قبل غيره أكثر منهم بقليل أو كثير… فويح من غفل أنّ من أحصى كل شىء عددًا لعلّه مُعَذّبهُ إن مات دون توبة.

سمعت عمّن يُزَوّر أوراق الملكية ويستعمل إبهام الميت ليجعله يبصم بعد وفاته على نقلها للمُزَوّر… غافلًا عن شهادة الأيدي التي ستشهد على صاحبها يوم القيامة.

سمعت عمّن يجد أرقام الحسابات البنكية ويفرغها قبل أن يُعْلِمَ الورثة بمحتواها، متناسيًا أن العليم يعلم ما تخفيه الصدور وما تُحَدّثُ به الأنفس.

رأيت من يأخذ بالقوة حق غيره… قائلًا إن كان بوسعكم أن تسترجعوا ما سلبتكم فاسترجعوه… فهل خفي عنه أن الله ذا القوة ليس بغافل عما يفعل الظالمون؟

رأيت من يتنافس على وصاية الأيتام، وما ذلك إلا ليستغل تركتهم ويصرف منها كيفما أحبّ… جورًا وتسلّطًا على ضعافٍ مكسوري الخاطر أوصى نبيّنا عليه السلام بكفالتهم والمسح على رؤوسهم عطفًا وحنوًا.

فيا من سيكون نفَسه الأخير إما اليوم أو غدًا أو بعد غد، أَفِق لنفسك قبل أن لا تفيق… فبعد ذلك النفَس لا نجاة إلا لمن عمل صالحًا قبله. لقد قيل فيما قيل من بعض أهل الحكمة: «أموالنا لذوي الميراث نجمعها»، فاصرف أموالك في الخير في حياتك ليعمر بها مثواك في حياة البرزخ وتفرح بعدها بقصور وسرور في جنّة الخلد.

كذلك رأيت فيمن رأيت من لا يتصرف حتى بثياب ميّت قبل استشارة الورثة أجمعين، ومن لا يستأثر لنفسه بغير حقه، بل ومن يتصدق بنصيبه من التركة عن روح ميّته ليصله الخير بعد موته. سمعت عمّن يحفظ الودّ ويذكر الميت بدعاء في كل سجود، ويدعو له كلّما ذكره. سمعت عن أناس يَصِلون رحمهم من جهة الميّت ويؤدون حقوقه للناس. أولاد يصومون عن والدهم ويؤدون فريضة حج أو يهدونه عمرة بعد موته. سمعت عن أولاد يزورون أصحاب أهاليهم المتوفين بِرًّا بهم، كي يصلهم ثواب دعاء صادق خالص لوجه الله. فالدنيا باق فيها خير.

فيا ربّ يسّر لنا مِن أحبتنا وأهالينا مَن يبرّنا بعد موتنا ويذكرنا بخير، وأبعد عنّا من لو استطاع سلبنا ما نملك في حياتنا لسعى لذلك دون مخافة من ربّ العالمين. ألهمنا يا الله عملًا صالحًا في حياتنا يصلنا ثوابه بعد موتنا… وأفرحنا بهدايا من أحبابنا حين يأتي يوم لا نملك فيه لأنفسنا نفعًا.

وإلى لقاء قريب يا يومياتي.