أيام العمر تمرّ سريعة… فجأة تجد الصغير صار كبيرًا… والشاب انتقل للكهولة… والطفلة صارت شابة ولعلها خطبت وعلى باب الزواج…. سنوات تمر من عمر الإنسان… قد يقضيها بطاعة الله فيفوز برضى الله إن أخلص عمله للّه عزّ وجلّ… والبعض تضيع أيامه في المعاصي والذنوب وتكون وبالًا عليه في الآخرة إن لم يتب إلى الله عزّ وجلّ…
سامي طالب في الثانوي… في السابعة عشر من عمره… كان مجدًّا في دراسته… والده يعمل في وظيفة بسيطة… راتبه لم يكن يكفي مصروف البيت… فكان سامي يعمل في الصيف ليؤمن قسط المدرسة له ولإخوته…. كان جديًّا في عمله ودراسته… حتى تعرف على جارته حنان… كانت أصغر منه بثلاث سنوات… كان يراها صباحًا حين ذهابهم للمدرسة… يلقي عليها التحية ويمضي… ومنعه الخجل أن يكلمها أكثر من ذلك… شغلت حنان باله… لم يعد يركز كثيرًا في دراسته… وبدأ يتراجع عما كان عليه في السابق…في عمر الشباب… تكثر الأحلام والآمال… تكون أيديهم فارغة… وبعضهم يبني قصورًا في الهواء… وعد سامي نفسه أن يخطب حنانًا… هو لا يملك شيئًا يعينه على هذا الأمر… والده فقير… وهو ما يزال طالبَ ثانوية… وهي لا تنتبه إليه ولعلها لا تهتم لكل أحلامه… لكن هو كان يعيش حلمًا كبيرًا… ويسأل الله أن يتحقق.. وكان سامي شابًّا متديّنًا وحنان لم تكن محجّبة… وكان من ضمن خططه أن يرسل لها أخته لتعلّمها الضروري من أمور الدين…
الآمال الكبيرة قد تتحقق أحيانًا… وقد تضيع ولا نعرف كيف نستعيدها… انتقل أهل حنان إلى سكن آخر… لم يعرف سامي العنوان الجديد… واختفت حنان… تعب قلب سامي كثيرًا… لكنه قرر أخيرًا أن ينسى… وأن ينتبه لدراسته ومستقبله… الغيب لا نعلمه نحن… هو شىء يخفى علينا… ماذا يحصل لنا بعد دقائق أو بعد سنين… لا ندري… لكن الله عالم بكل شىء… مرت سبع سنوات… أنهى سامي خلالها دراسته الثانوية والجامعية… ووجد عملًا في مؤسسة معروفة… كانت وظيفته مهمة وراتبه ليس كبيرًا لكنه يكفيه ويكفي أن يعين والده بالقليل من مصروف بيت الأسرة…
في أحد الأيام… تفاجأ سامي بوالد حنان أمامه يريد إجراء معاملة عنده… عادت كل الذكريات من جديد… فرح كثيرًا برؤية جاره القديم… ساعده في معاملته… وسأله عن عنوانه… وعرف العنوان… ونوى أن يأخذ موعدًا لزيارته مصطحبًا والدته… وكان له ما أراد… رحبت والدته بالفكرة… هي تعرف حنانًا وأهلها… هم أناس طيّبون متواضعون ورأت في الفتاة زوجة مناسبة لابنها… وتمنّت أن تتحقق كلّ آماله…وجاء الموعد… ذهبوا للزيارة… وتفاجأ سامي برؤية حنان تحجبت… ورأى في منزلهم ما يشير إلى أنهم على نفس النهج… زادت فرحته كثيرًا… إنها معه على نفس الخط… نفس المنهج… شعر بسعادة كبيرة وتمنّى أن يتم الأمر كما يريد… تزوج من حنان وعاشا أيامًا سعيدة… رُزقا خمسة من الأولاد… ثلاثة صبيان وابنتين…. كان فرحه بهم كثيرًا… وكبر الصغار… دخل بعضهم الجامعات… والبعض كان ما يزال في الصفوف الابتدائية… كانت أمهم ناشطة في رعايتهم والاهتمام بشؤونهم… كانت حنان ناشطة اجتماعيًّا… وكان هدفها من كل نشاطاتها تعليم دين الله والتحذير من الضالين الداعين إلى الفساد… أحبّها الناس وكانوا يتقبّلون منها توجيهاتها ونصائحها… وهي كانت مخلصة في عملها ودعوتها إلى الصراط المستقيم…
مرضت حنان… أخذها سامي إلى الطبيب… طلب إجراء بعض الفحوصات… وكانت الصدمة… حنان تعاني من مرض خطير في رحمها… طلب الطبيب إجراء عملية جراحية لاستئصاله… وكانت العملية… جرح كبير حصل في الأسرة… حنان قد لا تعيش طويلًا… هذا كان قول الأطباء… وطلبوا لها علاجًا بأدوية كيميائية أسقطت شعرها… تألمت حنان كثيرًا وتألم من حولها… كانت تمضي أيامًا طويلة في المستشفى وكانت ترافقها ابنتها الكبرى… تعتني بها وتعينها في شؤونها… مرّت خمس سنوات بعد العملية… كانت فيها حنان تذهب كل فترة إلى المستشفى للعلاج… ترافقها ابنتها وباقي أولادها.. وفي يوم ذهب سامي لزيارة زوجته… أمسكت بيده… طلبت منه البقاء معها هذه الليلة… كانت متعبة جدًّا… طلب سامي من أولاده الذهاب إلى البيت… وقال لهم إنه سيبيت الليلة عند أمهم في المستشفى… غادروا المستشفى وبقي سامي قربها يحدثها ويقول لها أن تصبر… كان يحبّها كثيرًا… ويخشى من فراقها… كانت تمسك يده… ثم أفلتتها… نظر إليها… رأى رفيقة عمره بلا حراك… رحلت الغالية على قلبه… بكى من ألم الفراق… لكنه صبر وحمد الله… الإيمان خير معين للمصاب… يصبر ولا يعترض على الله… يحمد الله على كل حال… فالصابر أجره كبير في الآخرة… رغم الحزن والألم… لا نقول إلا ما يرضي الله…
كانت رحلة طويلة… مرت بسرعة… بدأت قصته بأمل بمستقبل سعيد… بعدها عمل لتحقيق الأمل… ثم النهاية… دائمًا تنتهي بالرحيل…