ينتشر بين الناس نوع من التفاهم الضمني أو ما يمكن تسميته ببروتوكول التواصل الروتيني، فحينما يلتقي الواحد منّا مع صديقه أو قريبه تجد سلسلة من الأسئلة تتكرر، فتنطلق هذه السلسلة بسؤال: كيفك؟ طمّني عنك؟ شغلك؟ أسرتك؟…
وأمام وابل هذه الأسئلة تتنوّع الإجابات بين من يقتصر على قول: «الحمد للّه» مفضلًا عدم الغوص في تفاصيل همومه وحياته مع الآخرين، وبين من يشاركك همومه ومتاعبه وأفراحه إن وجدت، لكن يبقى سؤال واحد وندرة من الناس مَن لديها الجرأة على سؤاله، وهو سؤال ينبغي أن يسأله كلّ واحد منّا لنفسه، وهذا السؤال هو: تُرى كيف سيكون حالي في ليلتي الأولى في قبري؟!!!
هناك لحظة الحقيقة، هناك لا كهرباء ولا مصباح يبدّد ظلمة القبر، هناك لا هاتف ولا رفاق يؤنسونك ويخرجونك من وحشة الوحدة في قبرك، هناك لا زاد لك إلا ما قدمت، فعن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «يتبعُ الميتَ ثلاثة فيرجعُ اثنان ويبقى معهُ واحدٌ يتبعُه أهلُه ومالُه وعملُه فيرجعُ أهلُه ومالُه ويبقى عملُه» رواه البخاري ومسلم. فيا صاحب الحجا… إن كانت الحياة الدنيا تشغلك وتضعك تحت الضغوط حتى يتعكّر مزاجك وتضطرب نفسك، وهي مهما قست تبقى سهلة هيّنة أمام عذاب القبر وعذاب الآخرة، فهل فكرت في حالك بعد النفس الأخير؟ وهل عملت ما يجعلك ترتاح في قبرك؟ فالقبر باب وكلّ الناس داخله، وما بعد هذا الباب ليس كما قبله، فقد قال
رسول الله ﷺ: «إنّ القبرَ أولُ منازلِ الآخرة، فإن نجا منه فما بعدَهُ أيسرُ منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه» رواه الترمذي.
فمن أحبّك فعلًا، ومن يخاف عليك حقيقة، هو من يسعى ليطمئن عنك في هذا الموقف، هو من يحثك لفعل الخير لتغنم خير الزاد، حتى إذا جاءت سكرة الموت، وحملت على الأكتاف إلى قبرك، ودفنت وانصرف عنك الناس، تكون هناك من السعداء ومن قريري العين، فمن وجدت منه حبًّا وخوفـًا صادقًا على آخرتك فاعلم أنه لن يسألك عن سعة المال، ولا عن رحلات الاستجمام، ولا عن أنواع الطعام والملذات، ولا إن اشتريت أحدث الهواتف أو لا، بل سيسألك هل تعلّمت ما ينجيك من عذاب الله ويدخلك جنانه؟ هل صلّيت؟ هل صمت؟ هل تركت المحرمات وأكثرت من الطاعات؟
لذا إن التقيت بمن تحبّ كن نافعًا له وذكّره بتحصيل العلم، ودلّه على كل خير، حتى لا تكون كمن يشغله مظهر صديقه وما سيأكل أو يشرب وهو في طريقه نحو الهاوية نحو العذاب، فأيّ صديق هذا؟!!! وأيّ حبّ هذا إن كنّا كذلك؟؟!.