أحمد الله ربّ العالمين وأصلي وأسلّم على صاحب الخلق الحميد سيّدنا وحبيبنا محمّد الطاهر الأمين.

أما بعد، فلقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بمخالفة النفسِ وعصيانها وعدم اتباع هواها، لأن كثيرًا من المعاصي سببها مطاوعةُ هوى النفس، وليس كلُّ الشرّ من الشيطان بل النفسُ إن اتّبعها الشخص في هواها تُهلِكُه كما يُهلِكُه اتّباعُ وساوسِ الشيطانِ، ومن خالف نفسه في هواها أفلح وفاز فوزًا كبيرًا. ومن جملة مخالفة النفس والهوى حفظُ اللسان عن المعاصي والله تعالى يقول: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)سورة ق، والملكانِ رقيبٌ وعتيدٌ مُوكّلانِ بابنِ آدم، كاتبٌ للحسنات وكاتبٌ للسيئات، فإنْ تاب العبدُ من السيئاتِ تُمحى، وإن لم يتُبْ تبقى فيجدُها في صحائفِهِ يوم القيامة. 

ويجب على الإنسان حفظ جميعِ جوارحه مِمّا حرّم الله ولا سيما اللسان، قال عليه الصلاة والسلام: «إنك لا تزال سالِمًا ما سكتّ فإذا تكلّمتَ كان لكَ أوْ عليكَ» رواه البيهقي. إن حفظ اللسانِ يساعد على حفظِ الدّينِ والسلامةِ من كثيرٍ من الآفاتِ لأنّ كثيرًا منْ آفاتِ الدنيا سببُها اللسانُ، فعلى الإنسان العاقل أنْ يخالف هوى النّفس وأن لا يتكلّمَ بكلامٍ حتى يفكر في عاقبته قبل أن يقوله فإن علم أن نتيجتهُ خيرٌ تكلّم به وإلا سكتَ عنهُ سواء في حال المُزاح أو الغضب أو الجِدّ.

وأما حسن الخُلُق فعبارة عن ثلاثة أمور هي كفُّ الأذى عن الناس، وتحمُّل أذى الناس، وأن يعمل الشخص المعروف والإحسان مع الذي يعرف له معروفه وإحسانه ومع الذي لا يعرف له ذلك.

فعلى المؤمن الذي يريد الرقي والدرجات العالية عند الله تعالى أن يكون حَسَنَ الخُلُق مع الناس، يصبر على أذاهم مع بذله الإحسان والمعروف إليهم، ويكون في سيرته مع الناس كالشجرة المثمرة التي إن رُمِيت بالحجارة أو ضُربت بالعصا لا تعطي إلا ثمرًا طيّبًا مُفيدًا.

وليحرص الواحد منا على عِرض أخيه من نفسه ومن غيره فلا يغتبه ولا يبهته، وليذُبَّ عن عرض أخيه إن ذُكر بسوء أمامه أو علم بذلك ولو لم يذكر بحضرته. روى الترمذي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «مَن ردَّ عن عِرْضِ أخيه ردّ اللهُ عن وجهِه النارَ يومَ القيامةِ» رواه الترمذي. ذى عن الناس فكفُّ الأذى عبادة جليلة دلّ الكتاب والسنّة على فضلها وعظم منزلتها. وإن المسلم كما يُؤجَر على فعل الطاعات وبذل المعروف يُؤجر كذلك على كف الأذى وذلك من حسن الخلق. وكما تعبّدنا الله بفعل الطاعات تعبّدنا أيضًا بحفظ حرمة المؤمنين وعدم التعدّي عليها بنوع من الأذى. وبعض الناس لا يستشعرون عظم هذا الأمر فتراهم مع حرصهم على الصلاة والصيام وسائر العبادات يتعدّون ويُؤذون ويتهاونون في هذا الأمر تهاونًا شديدًا.

ومن الإيذاء الشائع الطعن في أنساب الناس والنقيصة لهم في المجالس على سبيل التشهّي واللهو. ومن صور الأذى أن يتفكّه بعض الناس في المجالس بغيبة المؤمنين والسخرية بهم ويجعلوا ذلك مادة للضحك وجذب الأنظار إليهم.

ومن الأذى المنتشر اللعن والسباب وما يقع فيه بعض النساء من إفساد غيرهن من النساء وتحريضهن على أزواجهن وعلى نزع يد الطاعة منهم والخروج من بيوتهم بغير إذنهم والنشوز عليهم. ومن ذلك أيضًا أن يقف الإنسان في طريق أو مكان عام يراقب المارة ويتكلم عليهم ويضايقهم ويلمزهم ويؤذيهم بكل قبيح، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: «إياكم والجلوسَ في الطرقات فقالوا: يا رسولَ الله مالنا بُدٌّ من مجالِسنا نتحدّثُ فيها. فقال: فإذا أبيتُم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقَّه. قالوا: وما حقه؟ قال: غضُّ البصرِ وكفُّ الأذى وردُّ السلامِ والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر». متفق عليه.

وإن بعض الناس اعتادوا على التلهي والتفكّه بالتعدي على الناس فلا يخالطون أناسًا إلا آذوهم، ولا ينزلون في مكان إلا حلّت فيه المشاكل، فعلى هؤلاء أن يستصلحوا أنفسهم ويكفّوا شرّهم عن غيرهم وذلك رأفة بأنفسهم لما ينتظرهم من سوء العاقبة لو استمرّوا على ذلك حتى ماتوا عليه.

أخي المؤمن، إذا أساء إليك إنسانٌ فكظمتَ غيظك وكنتَ قادرًا على الانتقام منه فإن الله يُخيّرك من الحور ما شئتَ يوم القيامة، فلتكن واسعَ الصدر متسامحًا كثيرَ الصفح فالعفو من شيم الكرام. وإذا واجهتك مشكلة في حياتك اليومية فلا تغضب لنفسك واكتمْ غيظك وصن لسانك عن بذيء الكلام واعفُ عمّن ظلمك وكن متسامحًا ليّنَ الجانب.

قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ﴾ سورة الأحزاب