الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أمّا بعد فإن الله تبارك وتعالى أنعم على عباده بنِعَمٍ لا يـحصيها إلا هو، فكان من تلك النعمِ اللسانُ، فإن الله تعالى جعل اللسان للإنسان ليعبّر بـه عن حاجاته التي تـهمه لتحصيل منافع ومصالـح دينـه ودنياه، فمن استعمل هذا اللسان فيما ينفعه ولا يضره فليس عليه حرج وليس عليه مؤاخذة في الآخرة، وأما من استعمله فيما نـهاه الله تعالى عنـه فقد أهلك نفسه ولـم يشكر ربـّه على هذه النعمة العظيمة. 

فحِفظ اللسان أمر مهم، أكثر ما يهلك الإنسان في الآخرة معاصي اللسان لأن الكلام سهل على اللسان، الـمشي يحتاج إلى كلفة أما اللسان فهو سهل أن ينطق بما يشاء، فأكثر ما يفعله الإنسان من الذنوب والـمعاصي هو من اللسان. قال الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) سورة ق، معنى الآية أن كل قول يتلفظ بـه العبد يكتبـه الـملكان. كاتب الحسنات يكتب الكلام الطيّب وكاتب السيئات يكتب الكلام السيّئ والمباح الذي ليس بحسنة ولا سيئة ثم يُمحى المباح وتثبت الحسنات والسيئات كما رُوي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى:
﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)سورة الرعد.

وقال رسول الله ﷺ: «أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ من لسانـِهِ» رواه الطبراني، قال: ارتقى ابن مسعود الصفا ثم أخذ بلسانـه فقال: يا لسان قل خيرًا تغنم، واسكت عن شرّ تسلـم، من قبل أن تندم، ثم قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «أكثرُ خطايا ابنِ آدمَ من لسانـِهِ».

وروى البخاري ومسلـم عن أبي هريرة رضي الله عنـه عن النّبيّ ﷺ أنه قال: «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ». فهذا الـحديث الـمتفق على صحته نصٌّ صريحٌ في أنـّه لا ينبغي للإنسان أن يتكلـّم إلّا إذا كان الكلام خيرًا، ومتى شكّ في ذلك فلا يتكلـم.

وروى الترمذي أن معاذًا رضي الله عنه سأل النبيّ ﷺ فقال: وإنّا لـمؤاخذون بما نتكلّم به؟ فقال رسول الله ﷺ: «وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وُجُوهِهِم إلَّا حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِم؟» معناه كثير من الناس لسانُهم يُهلِكهم فيؤدي بهم إلى دخول جهنم. وزاد الطبراني في رواية مختصرة: «ثم إنّك لن تزال سالمًا ما سكتَّ فإذا تكلّمت كُتِب لك أو عليك».

وقال الغزاليّ رحمه الله: «إن اللسان نعمةٌ عظيمة، جِرمُه صغير وجُرمُه كبير»اهـ وفي معناه ما أنشدوه في هذا الباب:

احفظْ لسانَـك أيُّــهـا الإِنـسانُ

لا يــــلـــــدغـــــنَّــــك إنــــــه ثُــــعــــبـــانُ

كم في المقابر من قتيل لسانه

كانتْ تهابُ لقاءَه الشجعانُ

فمن فكّر في قول الله تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)﴾ سورة ق، عَلـم أن كل ما يتكلّـم بـه في الـجدّ أو الهزل أو في حال الرضا أو الغضب يسجّله الـملكان، فهل يَسُرُّ العاقلَ أن يرى في كتابـه حين يعرض عليه في القيامة كلـمات خبيثة؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزِنـه حين لا ينفع الندم، فليعتنِ الإنسانُ بحفظ لسانـه عمّا يسوؤه إذا عُرض عليه في الآخرة وليفكر العاقل فيما يريد قوله قبل أن يتكلـم، فإن كان خيرًا بادر إليه وإلا ألـجم لسانـه عنـه. وليحفظ لسانـه عن الغِيبة والنميمة والبـهتان والكذب والفتوى بغير علـم واليمين الكاذبة وألفاظ القذف وشهادة الزور والشتم واللعن ومن كلّ معصية حرّمها الله ولا سيّما أكبر الـمحرمات وأخطرها وهو الكفر، فقد روى البخاري ومسلـم من حديث أبي هريرة أن النبيّ ﷺ قال: «إنّ العبدَ ليتكلّـم بالكلـمة ما يتبيّن فيها يَزِلُّ بـها في النار أبعدَ ممّا بين الـمشرقِ والـمغرب»، ورواه الترمذي بلفظ «لا يرى بـها بأسًا يهوي بـها سبعين خريفًا في النار» وذلك نـهاية قعر جهنم. أي أنَّ الإنسان قد يتكلّم بكلـمةٍ لا يراها ضارةً له ولا يعتبرها معصيةً يستوجب بـها النزول إلى قعر جهنم الذي هو محل الكفار لأنـه لا يصل إلى قعر جهنم الذي هو مسافة سبعين عامًا في النزول عصاةُ الـمسلـمين. فأكثر الكفر يكون باللسان وأكثر العداوات والخصومات سببها اللسان، فليحاسب كل إنسان نفسه وليفكر فيما يعود عليه بكلامه الذي يتكلّم به قبل أن يتكلّم فذلك طريق السلامة. نسأل الله السلامة.