هذه قصة نُسجت من خيال الكاتبة…
إليكم هذه القصّة التي تبيّن لكم أغلب السنن التي ينبغي مراعاتها خلال حياة الإنسان من مهده إلى لحده عبر مقالات نُسجت من خيال الكاتبة…
كانت الأمومة حلمًا من أحلامي، حلمًا نشأ معي منذ الصغر، فلطالما كنت أهتم بلعبتي، أسرّح شعرها، أبدّل ملابسها، أحاول أن أطعمها، أحتضنها عند النوم… ونما هذا الحلم فيَّ يومًا بعد يوم حتى شاء المولى أن أصبح زوجة وأحمل.
كنت أرتقب هذه الهبة بكل حماس وشوق، ومع كل نبضة قلب أحس بطفلي يكبر في داخلي، ومن حينها بدأتُ أعيش لحظات الأمومة. كنت دائمًا أفكر في هذه الآية: ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)﴾ سورة الشورى، وأحمد الله حمدًا كثيرًا فهو قد تفضّل عليّ وخصّني بهذه النعمة، وأدعوه أن يتمّم لي على خير وأن يرزقني طفلًا سليمًا معافًى صالحًا يخدم الإسلام والمسلمين.
لم تكن الأشهر التسعة أشهرًا عادية، كان فيها من الألم والشوق والتغيّرات الجسدية والنفسية ما يكفي لجعلي أنتظر مجيء يوم ولادتي بلهفة. شعرت في كل شهر باختلاف مراحل حملي، وكانت حياتي تتقلّب وتتحوّل على حسب مراحله، فأحيانًا ينتابني الشعور بالقلق وأحيانًا يتملّكني الشعور بالطمأنينة، أحيانًا أشعر بسريان آلام لم أعهدها من قبل، وأحيانًا أشعر براحة تامّة، كان كثيرًا ما يفجؤني القيء، وفي المقابل كثيرًا ما أشتهي كلّ مأكول أراه. ومع كلّ ركلةٍ كنت أشعر بألم يدفعني إلى الابتسام والاطمئنان، فهكذا كان طفلي يخبرني أنه بخير.
أنهكتني التقلبات وأتعبني الانتظار، فالشوق يزداد والتفكير يكثر والأسئلة تزدحم والخوف يؤرّق، كنت في كل ليلة أضع يدي على بطني وأدعو اللهَ أن يحفظ ما في بطني… وفي كل صباح أنتظر أيّ إشارة تنبِئُني بقدوم طفلي. لا أذكر كم مرة أعدت ترتيب أغراضه في الحقيبة، أحمل القطع الصغيرة وأتخيله يلبسها، هل سيكون هذا الجورب الصغير واسعًا على قدمه؟ وهل ستغطي تلك القبّعة الصفراء عينيه؟
لا زلت أذكر تلك الليلة، الليلة التي استيقظت فيها على حركة عنيفة لم أعهدها قبلُ، ولا زلت أذكر ذاك المكان الذي شهد ولادتي… شكله، رائحته، كل شىء فيه… ساعات المخاض صعبة طويلة، والانتظار قاسٍ غريب، حيث امتزجت داخلي مشاعر متناقضة: حزن وفرح، يأس وتفاؤل، شوق وتعب. تذكرت نصيحة والدي: «اشغلي وقت الانتظار بالاستغفار»، حاولت كثيرًا أن أطبّقها بين الطلقات وعندما تأتي الطلقة أتذكّر حديث الرسول الذي فيه أن المرأة التي تموت بجُمْع -أي بألم- الولادة تموت شهيدة. وما بين دخول ممرضة وخروج أخرى تنسج التوقعات والتصوّرات ويمرّ أمامي مزيج من الذكريات والصور: طفلي… ما جنسه؟ كيف سيكون شكله؟ هل يشبهني أم يشبه أباه؟ كيف حاله؟… حزنت عليه، فهو متعب مثلي ويصارع للخروج. كان عليّ أن لا أستسلم فبدأت بقراءة بعض الآيات حتى تتسهّل ولادتي بإذن الله، فتارة أقرأ المعوّذتين -الفلق والناس- وتارة آية الكرسي وتارة قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ﴾
سورة الأعراف.
وعندما بلغ عسر حالي مداه لم أعد أستطيع كتم صرخاتي وصار الجميع يتحرك كالنحل دون توقف. ليلتها امتدّ بي المخاض ساعتين طويلتين كالدهر، وفي صبيحة 22 رمضان تداخلت في غرفة الولادة صرخات الألم مع صرخات الحياة، ففي الوقت الذي كان فيه الألم يعتصرني خرجت مني حياة جديدة… بداية جديدة.
«بعد انتظار سبع سنوات مبارك! إنهما توأمان، البنت تكبر أخاها ببضع ثوان» قالت القابلة.
توأمان!.. أنا صار عندي توأمان! كأن هذه الجملة جعلت كل الألم ينسل مني، نسيت الألم حين رأيتهما، حين سمعت صوتهما. اثنان! طفلان صغيران، قطعوا الحبل الذي ربطني بهما طوال تسعة أشهر وغسلاهما ثم وضعوهما على صدري وأنا أنظر إليهما نظرة المحب المعاتب. كان شعورًا لم أعرف له من قبل مثيلًا.
زوجي العزيز، طيف أبي، ووجه أمي، ثلاثة أشياء لم تفارقني أثناء المخاض. أمي… كلمة نطقتها كثيرًا في حياتي، لكن لماذا صرت أشعر أن لها وقعًا آخر في أذني؟! بل في قلبي، حتى إن صوتها الدافئ بدا لي أكثر دفئًا، أشد حنانًا، وأعمق تأثيرًا في نفسي. أمي… كم تذكرتك أيام حملي وأثناء ولادتي، وكم دعوت الله لك. أتذكرين عندما كان يدفعني الفضول لأعرف إحساسك لحظة مجيئي إلى الدنيا؟ أتذكرين حديثك المطول عن مشاعرك المتضاربة؟ وماذا كنت تشعرين بين كل طلقة؟ كل هذا حصل معي وعشته يا أمي.
يا له من شعور
https://manarulhudamag.com/236_72
يوم مليء بالسنن
https://manarulhudamag.com/236_73
مشقة وصبر
https://manarulhudamag.com/236_74
كالإناء الفارغ
https://manarulhudamag.com/236_75
سبع سنين قمرية
https://manarulhudamag.com/236_76
طفولة ثم ماذا بعد؟
https://manarulhudamag.com/236_77
ماذا أقول لولدي
https://manarulhudamag.com/236_78
بقدر الجد تكتسب المعالي
https://manarulhudamag.com/236_79
مودة ورحمة
https://manarulhudamag.com/236_710
فقد الأحبة ألم متجدد
https://manarulhudamag.com/236_711
غصة وفراق
https://manarulhudamag.com/236_712
سنن وإرشادات
https://manarulhudamag.com/236_713