تُكمل الكاتبة قصّتها قائلة: إن المراهقة من أهم المراحل التي يمرّ بها الولد وأكثرها حساسية فهي انتقال من مرحلة الطفولة والبساطة إلى مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، حيث يطرأ عليه العديد من التغيّرات، سواء من الناحية الجسدية أو الفكرية. كنّا نعي أنّ عدم الاهتمام بطفلينا في هذه المرحلة قد يكون سببًا قويًّا في حدوث خلل في شخصيتيهما وأنه علينا أن نستثمر هذه المرحلة بشكل جيّد باستعمال طاقتهما لصالحهما في الأشياء التي تفيدهما وتفيد المجتمع. وقد جعل الله نبيّنا محمّدًا قدوتنا في جميع الأمور والأوقات، في السراء والضراء، وفي الضيق والرخاء،﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب، ولتوجيه الأهل في هذه المرحلة قال ﷺ: «مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين» رواه أبو داود. ولذلك لما بلغ ولدانا العاشرة شدّدنا عليهما أكثر في أمر الصلاة فإذا عرفنا أنهما لم يصليا ضربناهما ضربًا غير مبرّح أي لا يؤدي إلى الضرر، وكذا بالنسبة لصوم رمضان لأنهما كانا يطيقان الصوم فإذا لم يصوما فبسبب الكسل، ونحن لا نريد أن يعتادا على ترك الصيام. 

كنا نعقد أنا وزوجي جلسات مشاورة وتناصح فيما بيننا ولفت نظر إلى أمور قد تخفى على أحدنا. في إحدى الجلسات طلب مني أن أوطد علاقتي بجويرية خاصة، ففعلت، وصرت بين الحين والآخر أتحاور معها مطوَّلًا لأعرف كيف أصبحت تفكر في هذه المرحلة، وأفهمتُها أنّها انتقلت من مرحلة الطفولة فلتنتبه أكثر لكلامها وتصرفاتها وأن تضع أقوالها وأفعالها في ميزان الشرع على حسب ما علّمناها أنا وأبوها، وإذا خفي عليها أمر فلتسألنا فنحن دائمًا بجانبها، نحبّها ونحبّ لها الخير ونخاف عليها، وكنت قد بيّنت لها أن المرأة تبلغ بحصول شىء من ثلاثة أشياء: بالاحتلام أي برؤية المني وله علامات أو برؤية دم الحيض وهو الدم الخارج من رحم المرأة أو بإتمام الخامسة عشرة بالسنين القمرية إذا لم يحصل احتلام ولا حيض، فبنيت على ذلك وعلّمتها كيفية الاغتسال لرفع حدث الحيض والجنابة وذلك بأن تنوي رفع الحدث الأكبر وأن تعمّم جميع بدنها بشرًا وشعرًا وإن كثف بالماء. وأخبرتها أن الحياء منه ما هو ممدوح كأن يستحي المرء من فعل ما هو قبيح ومنه ما هو مذموم كأن يخجل المرء من النهي عن المنكر أو من طلب العلم، فلا ينبغي أن تخجل من سؤالي عن شىء يتعلق بذلك. وأن عورتها أمام غير المحارم كل بدنها ما عدا وجهها وكفّيها فلا ينبغي أن تكشف ما عداهما أمام غير المحرم ولو كان مراهقًا، وعورتها أمام النساء والرجال من محارمها ما بين السرة والركبة فلا تكشف ما بينهما أمام أي رجل ولو مراهقًا ولا أمام النساء. وكنت أقص عليها قصصًا عن السيّدة عائشة فإنّها مع صغر سنّها حفظت كثيرًا من أحاديث النبيّ ﷺ التي سمعتها منه وروتها وعن السيّدة مريم وأسماء بنت أبي بكر وغيرهن من الخيّرات حتى تقتدي بهن. وفي المقابل صار زوجي يخصص وقتًا أطول لحمزة، يجلس معه ويحدّثه نحوَ حديثي مع جويرية، وكان قد بيّن له أنّ الصبي يبلغ بشيئين بالاحتلام أو ببلوغ خمس عشرة سنة قمرية إن لم يحتلم، ثم بيّن له أنه قد قارب البلوغ وإذا بلغ صار مكلّفًا يجري عليه القلم أي أن هناك ملائكة تكتب حسناته وسيئاته فينبغي أن ينتبه لجوارحه وخاصة للسانه فإنّ سيّدنا
عبد الله بن مسعود أمسك لسانه وخاطبه قائلًا: يا لسان قل خيرًا تغنم واسكت عن شرّ تسلم من قبل أن تندم، إني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «أكثر خطايا ابن آدم من لسانه» رواه الطبراني، وكذلك ينبغي أن ينتبه لغضّ البصر فإن عورة المرأة كل بدنها ما عدا الوجه والكفين، فلا ينبغي أن ينظر إلى ما عداهما من المرأة التي ليست محرمًا له، وأن عورته ما بين سرته وركبته فلا ينبغي أن يكشف ما بينهما لا أمام محارمه ولا أمام غيرهم. وأخبره والده بعدم التردد كلما أراد الكلام معه أو استشارته وأن لا يمنعه خجله من ذلك.

وعلمناهما أن من السنة حلق العانة ونتف الإبط وقد حثّنا الرسول على النظافة ومن ذلك حديث: «وُقّتَ لنا في قصّ الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نتركَ أكثرَ من أربعين ليلة» رواه مسلم. ولطالما حذرناهما من رفقاء السوء فإن من أصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء، حتى إنّا حفّظناهما قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا (29) سورة الفرقان، وقول رسول الله ﷺ: «المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم من يُخالل» رواه أحمد.

كان علينا أن نكون يقظَين جدًّا لكل تصرفاتهما حتى إذا وجد خلل ما سارعنا لإصلاحه، وكلما ظهر من أحدهما خلق جميل وفعل محمود أكرمناه وجازيناه عليه. وإن ظهر منه خلاف ذلك لم نكثر القول عليه بالعتاب في كل حين حتى لا يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام من قلبه.

ماذا أقول لولدي
https://manarulhudamag.com/236_78

بقدر الجد تكتسب المعالي
https://manarulhudamag.com/236_79

مودة ورحمة
https://manarulhudamag.com/236_710

فقد الأحبة ألم متجدد
https://manarulhudamag.com/236_711

غصة وفراق
https://manarulhudamag.com/236_712

سنن وإرشادات
https://manarulhudamag.com/236_713