تُكمل الكاتبة قصّتها قائلة: إن الأمّــة الإســلامـــيــة مــحـتـاجـة إلى علماء يحفظون الدين ويفتون الناس في أمور دينهم ومعاملاتهم، واعتناء الإسلام بالعلم وأهله أمر ظاهر لمن يقرأ القرءان فقد قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ سورة المجادلة/11، وكذلك تحتاج الأمّة إلـى مـن تـعـلّـم علومًا دنيوية كالطب والرياضيات والهندسة فالمسلمون يفتقرون إليها في شؤون حياتهم في شتى الجوانب، لكن الأمّة أشدّ احتياجًا إلى من تعلّم علوم الشريعة فإن علم الدين هو الأساس قال تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ سورة محمّد/19، ولأجل هذا لم يحتر ولداي في اختيار اختصاصهما كما احتار أصدقاؤهما، فهما قد حدّدا رغبتهما مسبقًا، اختار حمزة أن يكون مصلحًا لأبدان الناس وأخلاطهم فالتحق بكلية الطب واختارت جويرية أن تكون مصلحة لعقائد الناس وأخلاقهم فالتحقت بكلية الشريعة، مع أنها تعلم أن الراتب في غيرها من الاختصاصات يكون أعلى لكنها نجيبة ذكية، سمعت شيخًا جليلًا يقول: «لو كان الصحابة كحالتنا اليوم ما انتشر الإسلام هذا الانتشار، ولما وصل الدين إلينا» فعزمت على أن تدخل كلية الشريعة لتمضي في نشر علم أهل السنة والجماعة ومما شجعها على ذلك أيضًا قول رسول الله ﷺ لعلي رضي الله عنه فيما رواه البخاري: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النعم» وهي أجود الإبل وأحسنها. 

وكان أبوهما ينصحهما باتخاذ الصاحب الصالح الجاد ويرشدهما إلى أنه ينبغي لهما اختيار الأوقات والأماكن للحفظ والدراسة، وقد روي عن بعض العلماء أنه قال: إن أجود أوقات الحفظ الأسحار ثم نصف النهار ثم الغداة أي ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع وأجود أماكن الحفظ كل موضع بعيد عن الملهيات وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأنهار وقوارع الطريق لأنها تمنع غالبًا خلو القلب.

بقينا أعوامًا على هذه الحال إلى أن تخرّجا، جويرية حازت على تقدير جيد جدًّا وحمزة على تقدير جيد… لقد قدّر الله وشاء لي ولزوجي أن نعيش حتى هذا اليوم، اليوم الذي نقطف فيه جنى تعبنا، اليوم الذي نشاهد فيه ولدينا قد وصلا إلى ما كنا نتمنيانه في صغرهما، حتى قبل مولدهما، فإنّا كنا نرجو أن يكون طفلنا صالحًا يخدم الإسلام والمسلمين وتحقق ما كنا نرجوه بتعاوننا جميعًا وبصبرنا وإخلاصنا فإنما يصلح الأواخر بما صلح به الأوائل. ما أجمل فرحة النجاح! وما أحلى أن ترى ولديك ناجحين في حياتهما متلهفين لمساعدة الناس وتأثيرهما كبير في المجتمع.

بعد التخرج مباشرة تقدم شاب لخطبة جويرية واسمه عبد الله، لم يكن هذا الأمر بالحسبان  وعندما أحست بالحيرة لجأت إلى كتابة أفكارها على ورقة فإن هذا الأمر يريحها وينظم لها أفكارها، وأول ما بدأت بكتابته حديث الرسول: «إذا خطب إليكم من ترضَوْن دينه وخُلُقَه فزوّجوه» رواه الترمذي، وذلك ليكون مقياسها في القبول وعدمه هذا الحديث، فإن الخيار الأنسب هو الديّن صاحب الأخلاق الحميدة الكفء، لا ابتسامته المبهرة ولا البيت الواسع ولا قدر ما حصل عليه من ميراث أبيه فالمال غادٍ ورائح وأهل المروءات والبصائر لا يفتخرون به، ثم إن كل هذا مع فساد الدين أو الخلق لن يمنحها سعادة، ولن يورث في نفسها إلا ندمًا وحسرة من جراء سوء اختيارٍ، الخروجُ منه ليس بسهولة الدخول فيه. وبعد التفكير ظهر أن الخاطب مناسب لها، فبدأت بوادر القَبول تتجلى عندها، وبعد أيام تمت خطبتها وشرع عبد الله بتعلّم أحكام النكاح فإن الإنسان ينبغي أن لا يدخل في شىء حتى يعلم ما أحلّ الله منه وما حرّم، أما جويرية فكانت ضليعة في أحكام باب النكاح لطبيعة تخصصها.

مودة ورحمة
https://manarulhudamag.com/236_710

فقد الأحبة ألم متجدد
https://manarulhudamag.com/236_711

غصة وفراق
https://manarulhudamag.com/236_712

سنن وإرشادات
https://manarulhudamag.com/236_713