تُكمل الكاتبة قصّتها قائلة: تطبيق وصايا رسول الله يؤدي إلى اختيار موفق لشريك الحياة، مما يورث في نفس الزوجين رضا وقناعة منبثقين من أسس شرعيّة نطق بها رسول الله الذي قال ربّه فيه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلهَوَىٰسورة النجم. 

في الثامن من شوال ذهبنا إلى المسجد، وهناك عقد عبد الله على ابنتي على طريقة الرّسول، ثم شرع كل مَن حضر العقد بالدعاء لعبد الله بقول: «بارك الله لكما وجمع بينكما في خير» وأخذ عبد الله بناصية زوجته وقال: «اللّهمّ إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما جبلتها عليه» ثم قال لها: «بارك الله لكلّ منّا في صاحبه».

أوصيتُها ليلة زفافها بما أوصت به أمامة بنت الحارث ابنتها قائلةً: «أي بنيّة إنّك فارقتِ الجو الذي منه خرجتِ، وخلّفتِ العشَّ الذي فيه دَرَجتِ، ولو أنّ امرأةً استغنت عن الزوج لِغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه ولكنّ النساءَ للرجال خُلِقْنَ، ولهنّ خُلِقَ الرجال.

أوصيكِ يا ابنتي بعشر وصايا: أما الأولى والثانية فالخضوع له بالقناعة وحُسن السمع والطاعة، وأما الثالثة والرابعة فالتفقُّد لمواضع عينه وأنفه فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشمّ منك إلا أطيب ريح، وأما الخامسة والسادسة فالتفقّد لوقت نومه وطعامه، فإنّ ثورات الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة فالاحتراز بماله ورعاية حشمه وعياله وملاك الأمر حُسن التقدير، وفي العيال حُسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصي له أمرًا ولا تفشي له سرًّا فإنك إن خالفتِ أمره أوغرتِ صدرَه، وإن أفشيتِ سرَّه لم تأمني غدره، ثم إيّاكِ والفرح بين يديه إن كان حزينًا والكآبة بين يديه إن كان فَرِحًا». وذكّرتها بما يقال عند الجماع وهو: «اللّهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتَنا» فإنه يُسَنّ. ونصحتُها أن تتقبّل حقيقة أنها ستصادف في هذه الدنيا الكثير من الأمور التي لن تعجبها ولن تستطيع تغييرها وإنما تستطيع التعامل معها بوعي وصبر، وأن تهتمّ بأهل زوجها وتعاملهم كأنهم أهلها، وأن تأخذ بعين الاعتبار أنها وزوجها من بيئتين مختلفتين وطبائع مختلفة ورؤيات متباينة وعادات متغايرة فينبغي لكليهما مراعاة ذلك.

لا تخلو أيام الزواج من المشكلات غالبًا، لكن ابنتي تخطّتها بحكمتها فهي كانت تنظر إلى زواجها على أنه فرصة أتيحت لها لتؤدي حقوقًا أوجبها الله عليها فتنال رضا خالقها، ووضعت نصب عينيها قول النّبيّ ﷺ: «أيّما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة» رواه ابن ماجه. دارت الأيام والليالي ورزقت جويرية ببنت، ولم أعتد بعد على عدم وجود ابنتي معي في البيت، وخاصة أن حمزة يمضي أغلب وقته في المشفى والندوات. كنت أعاني في الأيام التي يكون فيها حمزة في العمل ولا تأتي جويرية وابنتها لزيارتنا، أشعر كأننا رجعنا كما بدأنا، بيت صغير يحوي شخصين فقط، إلا أنّ هذين الشخصين تلاشى منهما النشاط والقوة والخفّة التي كانا يتمتّعان بها قبل، وأتى الوقت الذي نودع فيه أيام الشباب والصبا ونتمنّى لو أنا عملنا أكثر لآخرتنا في أيام الصحة واغتنمنا وقت الشباب والقوة، يا ليتني كنت كالصالحة عَمرة تقوم الليل مع زوجها الصالح حبيب العجمي حتى إذا دنا السحر ذات ليلة، وزوجها نائم، أيقظته قائلة: «قم يا سيّدي فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد، وقوافل الصالحين تقدمت علينا، وأمامنا سفر طويل، والزاد قليل، سيأتي عليك يوم في القبر تنام مطوّلًا فلا تكثر النوم في الدنيا، قم بنا إلى التجارة الرابحة إلى طاعة الله».

ولأني صرت في خريف العمر كنت أفكر كثيرًا في تزويج حمزة حتى أرى ولده وأدرك عقبه لكنه كان ينتظر إنهاء دراساته، فما كان مني إلا أن أوصيه بالاقتداء بالنّبيّ والسير على تعاليمه في كل الأمور كما ربّيناه دائمًا، والتأسّي بما عاينه وشاهده من حُسن العشرة التي حاولت أنا وزوجي إظهارها للأولاد. وذكّرته بما كنت أردّده دائمًا على مسامعه من الأحاديث النبويّة كقوله ﷺ: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه» رواه الترمذي، وقوله: «استوصوا بالنّساء خيرًا» رواه مسلم، وما كان يسمعه من والده مرارًا كقول سيّدنا الحسن لرجل استشاره في تزويج بنته فقال: «زوّجها من تقيّ فإنه إن أحبَّها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها» فاطمأنّ قلبي فإن من حفظ هذا وطبّقه وجعل النّبيّ قدوته لا شكّ في أنّ بيته سيكون عامرًا بالحبّ والخيرات بإذن الله.

فقد الأحبة ألم متجدد
https://manarulhudamag.com/236_711

غصة وفراق
https://manarulhudamag.com/236_712

سنن وإرشادات
https://manarulhudamag.com/236_713