كم يحمل مشهد بزوغ الفجر وانبلاج الصبح معه من أمل وسرور لا سيما بعد ليل طويل، لا شك في أن نور الفجر يزيل ثقل الظلام عن صدر المهموم والمكروب، والملفت أن إشراق الشمس يشبه صافرة الانطلاق للعمل، ورحلة العمل هذه مهما طالت فهي تشبه ما بين شروق الشمس وغروبها. 

إن فجر حياتنا يبدأ والأهل حولنا يضحكون ويبكون فرحًا وسرورًا، وسرعان ما تتوالى الأيام فلا يعود المهد يتسع لنا ولا نعود نطيق أن نبقى بين جنباته، هي الخطوات الأولى تتسلل كخيوط الشمس عند الشروق فكلما وقعت على شىء انكشف عنه ما بقي من عتمة أو فيء وظهر إلى النور، وكذلك نحن فكلما تعلمنا شيئًا خرجنا من عتمة الجهل به نحو نور العلم والمعرفة.  

لكن من غاص في غياهب الظلمات وسلك دروب المغاور وكهوف الليل كيف له أن يبصر نور الشمس؟ كيف له أن يستنير ليخرج من عتمة الجهل إلى نور العلم والمعرفة، من هنا إن رحلة العمر والعمل رحلة أنت فيها القبطان، فإن أحسنت الاختيار وسلكت دروب الخير والنجاة وصلت إلى برّ الأمان بإذن الله، أما إن استهواك الجهل وظلامه وسلكت دروب الذل والعصيان والندامة فهذه الطريق لا توصل إلى السلامة بل إلى الحسرات والكدرات وقد يصيبك الخسران في الدنيا ويوم القيامة…

فيا أيها العاقل أيغرك شبابك وقوتك ويلهيانك عن اغتنام زاد الخير ويُبعدانك عن سبيل النجاة؟؟!! انظر إلى من سبقوك في هذه الحياة الدنيا أين هم اليوم؟ هم تحت التراب، فبعد أن حضنهم المهد حين مولدهم ضمهم اللحد يوم وفاتهم. سبحان الخالق العظيم إن من يتفكر في هذه الرحلة القصيرة يعي أنه لا وقت للغفلة، فما بين بناء بيتك وتحصيل أسباب معيشتك في هذه الدنيا وبناء قبرك وتجهيز زادك ليوم المعاد لا وقت للغفلة، فالعمر قصير وهو يسير والدنيا دار ممر أما الآخرة فهي دار المستقر فإما لجنة وإما لنار أجارنا الله وإياكم منها، وكل عاقل ينبغي أن يعلم أن صرف أنفاسه ينبغي أن يكون فيما هو أولى، فحريٌ بنا أن نصرف أوقاتنا في تحصيل الطاعات والقربات إلى الله فقد قال الله تعالى في سورة النجم: ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40).

في الختام يوم ولدنا دخلنا إلى هذه الدنيا من دون ذنوب فيا فوز ويا سعد من خرج منها على الإيمان وقد كان سعيه وعمله أن يخرج منها بلا ذنوب كيوم ولدته أمه، فمن كان حاله في اللحد كما كان حاله في المهد فلسوف يلقى جنة عرضها السماوات والأرض بإذن الله وذلك هو الفوز العظيم.