الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول الله. إنّ الله تبارك وتعالى جعل للصلوات الخمس المفروضة أوقاتًا لتؤدّى فيها فلا يصحّ تقديم الصلاة عن وقتها ولا تأخيرها إلا لعذر كسفر أو مرض، وهذه الأوقات ينبغي لكل مسلم مكلّف معرفتها ولو كان يعيش في بلاد يرفع فيها الأذان لكلّ وقت، فمعرفة أوقات الصلاة الشرعية التي ذكرها الله في القرءان وجاءت في السنّة النّبويّة المطهّرة واجب، قال الله تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103)﴾ أي بوقتٍ محددٍ، ودخول الوقت شرطٌ لوجوب الصلاة، وشرطٌ لصحّتها فلا تجب الصلاة إلا بدخول الوقت المحدّد شرعًا، ولا تصحّ قبل دخوله. وجاءت الإشارة لأوقات الصلوات في مواضعَ من كتاب الله، كقول الله تعالى في سورة الإسراء: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْءانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78)﴾، وقال الله تعالى في سورة الروم: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)﴾ وفي سنّة النّبيّ ﷺ القولية والفعلية بيان واضح لمواقيت الصلاة، وتناقلها المسلمون عنه وتلقَّوها منه صلوات الله وسلامه عليه. روى أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «أمَّني جبريل -عليه السلام- عند البيت مرّتين فصلّى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدرَ الشراك -أي شِراك النعل وهو سير جلد النعل على ظاهر القدم-، وصلّى بي العصر حين كان ظلّه مثله وصلّى بي -يعني المغرب- حين أفطر الصائم وصلّى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلّى بي الفجر حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصائم، فلمّا كان الغدُ صلّى بي الظهر حين كان ظِلّه مثله، وصلّى بي العصر حين كان ظِلّه مثليه، وصلّى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلّى بي العشاء إلى ثلث الليل وصلّى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إليّ فقال: يا محمّد هذا وقتُ الأنبياء من قبلك والوقتُ ما بين هذين الوقتين». وحين دخول هذه الأوقات عادةً يُرفع النداء إليها في مساجد المسلمين ويُنادى «حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح» ولكن لا بدّ من معرفة الوقت الشرعي للصلاة فالأذان بمثابة النداء من رجلٍ ثقةٍ يُخبر بأنّ وقت الصلاة قد حان ودخل وإلّا فوقتُ الصلاة متعلّقٌ بالظلّ والشمسِ والمغربِ والمشرقِ ونحو ذلك…
وقتُ صلاة الظهر
يبدأ وقتها إذا زالتِ الشمس، ومعنى زوال الشمس مَيْلها عن وسط السماء إلى جهة المغرب، وذلك أنَّ الشمس إذا طلعَتْ صار للشخص ظلٌّ لجهة المغرب، ثم لا يزال هذا الظلُّ ينقص كلَّما ارتفعت الشمس حتى يتوقَّف عن النقصان وعندئذٍ تكون الشمس في وسط السماء ثم يبدأ الظلُّ في الزيادة مع ميله إلى الجهة الأُخرى أي إلى جهة المشرق، فإذا بدأ الظل في هذه الزيادة مع الميل إلى جهة المشرق كان هذا هو وقت الزوال وبداية وقت صلاة الظهر، وأما آخِر وقْت صلاة الظهر فيكون إذا صار ظلّ كلّ شىء مثلَه زائدًا عليه الظلّ الذي يكون عندَ الزوال وهو ظلّ الاستواء، وهذا الظلّ -ظلّ الاستواء- يختلف بحسبِ اختلاف البلاد ففي بعض البلاد تكون الشمس عمودية تمامًا فوقَ الشخص فيكون الظّلُّ أسفلَ الشخص، وفي بلادٍ أخرى يكون هناك ظِلٌّ للشخص نحو شِبر أو أكثر أو أقلّ عندَ الاستواء، فهذه الزيادة تُحسَب عند تناهي الظلّ في القصر قبل التحول إلى الجهة الأخرى، فيكون آخِر وقت الظهر أن يكون الظلُّ مِثلَ الشخص مضافًا إليه هذه الزيادة.
وقت صلاة العصر
يبدأ وقتُ صلاة العصر عندما يكون ظِلُّ الشىء مثلَه زائدًا على ظلّ الاستواء -يعني بعد انتهاء وقت الظهر مباشرة-، ويبقى وقت العصر إلى غروب قرص الشمس كليًّا غير أنه يُكره تأخير العصر إلى ما قبل الغروب بشىء كثلث ساعة تقريبًا، وما شاع عند البعض بأنه لا يُصلّى العصر قبل الغروب بقليل فغير صحيح فلو قام لصلاة العصر قبل غروب قرص الشمس بقليل بحيث أمكنه صلاتها قبل الغروب كانت في وقتها لكن مع الكراهة الشديدة إن كان لغير عذر.
وقت صلاة المغرب
يبدأ وقت صلاة المغرِب إذا غابتِ الشمس تمامًا أي غاب كامل قرص الشمس، وآخِرُ وقتِها إلى مغيب الشَّفَق الأحمر وهو الحمرة الـمُعترضة التي تظهر في الأفق جهة الغروب. ويُعرف دخول وقت المغرب أيضًا بإقبال الظلام من جهة المشرق ولا يُنظر إلى أثر ضوء الشمس الذي بقي في جهة المغرب.
وقت صلاة العشاء
يبدأ وقتُ صلاةِ العشاء مِن غروب الشَّفَق الأحمر -يعني بعد انتهاء وقت المغرب مباشرة-، وينتهي عند طلوع الفجر الصادق وهو البياض الـمُعترض في الأفق الشرقي.
وقت صلاة الصبح
يبدأ وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى شروق الشمس، والفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الشرقي الذي يبدو دقيقًا ثم ينتشر ويتوسّع، ويسبق الفجر الصادق بنحو نصف ساعة الفجر الكاذب وهو بياضٌ عموديّ يظهر في جهة الأفق الشرقي وهذا لا يدلّ على دخول وقت صلاة الصبح.
فمعرفة هذه الأوقات وإيقاع الصلاة فيها لا قبلها ولا بعدها فرضٌ فلا بدّ من التأكد من دخول الوقت قبل الصلاة يقينًا إما بالمراقبة العيانية أو ظنًّا باجتهادٍ كأن يكون له عادة في بلده اعتاد عليها يتيقّن بها دخول الوقت كقراءة جزء من القرءان بين المغرب والعشاء وهو على يقين أنه بمدة القراءة يدخل وقت العشاء مثلًا، وكذلك الديك المجرَّب يكفي الاعتماد عليه لتجربةٍ سابقةٍ أنه لا يصيحُ إلا عند دخول الفجر مثلًا وإذا عمل مسلمٌ تقيٌ ثقةٌ عارفٌ بالمواقيت تقويمًا كتبه عن أوقات الصلوات اعتمادًا على المراقبة يجوز أن يُعتمَدَ عليه ولكن الأفضل أن ينظر الشخص بنفسه ويراقب وذلك لحديث النّبيّ ﷺ: «إنَّ خيارَ عباد الله الذين يُراعون الشمسَ والقمرَ والنجومَ والأظِلّة لذِكْرِ الله عزّ وجلّ» رواه البيهقيّ، أي للصلاة، فلا يكفي مجرد القيام للصلاة والدخول فيها لمجرّد التوهّم بدخول الوقت، بل تلك الصلاة فاسدة ولو صادفت الوقت، وما أكثر مَن يصلّي على هذه الحال فهؤلاء لا صلاة لهم عند الله تعالى، فينبغي الاعتناء بالوقت والاهتمام به، فتعلُّمه فرض على كلّ مسلم مكلف لأنه هو الأصل، أما التقاويم أو الرزنامات التي عُمِلت إن كان عملها الثقات يؤخذ بها بحسب البلد التي عُمِلَتْ فيه فمن راقب في بيروت وعمل رزنامةً لتوقيت بيروت لا يصحّ العمل بها لتوقيت أوروبا مثلًا، ثم كثير من بلاد غير المسلمين التي فيها مسلمون لم يعمل لها توقيت بالمراقبة فلا يُعتَمَدُ على ما عُمِل بحساب الفلك ولا على هذه الآلات المستعمَلة التي تَعملُ عن طريق غير الثقات كبرامج الكمبيوتر والتلفون المحمول ونحوها، فقد وُجِدَ في بعض هذه البرامج فرقٌ شاسعٌ بين ما فيها وبين دخول الوقت الحقيقيّ، بعض الناس راقبوا غروب الشمس لمدة بالعين فوجدوا فرقًا كبيرًا بين وقت الغروب والوقت الذي يؤذّن فيه جهاز تلفون محمول أنزلوا عليه برنامجَ أذان، فليُتنبَّهْ لذلك فإنَّ الصلاة فريضةٌ عظيمةٌ ينبغي أن تؤدّى كما أمر الله لوقتها لا بالظنّ والتوهّم، نعم إن أذّن المؤذّن الثقة المؤتمَن العارف بالوقت يجوز الأخذ به، أما أن يؤذّن بالتلفاز أو بالكمبيوتر فيقوم الشخص للصلاة من غير تأكّد فهذا باطل ومخالف لما جاء به النّبيّ ﷺ فإن الرسول مدح الذين يراقبون الظل لصلاة الظهر والعصر والشمس والقمر للمغرب والعشاء والصبح وسمّاهم النّبيّ ﷺ في الحديث «خيارَ عبادِ الله» فتعلَّمْ وراقبْ أوقاتَ دخولِ الصلوات قبل الصلاة لعلك تدخل في «خيارِ عبادِ الله».