بدايةً لا بد من بيان أمر مهم جدًّا يُهمله كثير من الناس هذه الأيام، وهو أنّ العلوم التي تدرّس للتلاميذ في المدارس والجامعات وغيرها من المعاهد تنقسم إلى قسمين: 

 حقائق علميّة Scientific facts 

 نظريّات Theories 

أما الحقائق العلميّة فهي -كما يدلّ اسمها- حقائق متأكد منها وليست مجرد افتراضات أو تخمينات. فمثلًا: إذا رأى شخص قرودًا تمشي على رجلين فهذه حقيقة علميّة. 

أما النظريّة فهي شىء غير متأكّد منه. فمثلًا: إذا قال -هذا الشخص الذي شاهد قردًا يمشي على رجلين-: «إن أصل الإنسان قرد»، فقوله هذا ليس حقيقةً إنما هو أمر تخيّله في مخيّلته زاعمًا تفسير الحقيقة، فهو لم يرَ في حياته قردًا واحدًا يتطوّر ويتحوّل إلى إنسان، فيكون قوله هذا تخمينًا وافتراضًا من قبله لا غير، ولا يكون حقيقةً علميّةً.

ولمزيد من التفصيل في أمر الفرق بين الحقيقة والنظريّة، نقول: إن التعريف المتداول للنظريّة هو أن النظريّة مجموعة افتراضات وتخمينات A set of hypotheses.

أما الافتراضات فهي عبارات غير متأكّد منها وغير مثبتة. Tentative statements awaiting verification.

فأساس النظريّة هو مجموعة تخمينات وافتراضات غير أكيدة وغير مثبتة، ولكنّ العجيب أنّ كثيرًا من الناس يقولون: «إنّ هذه النظريّات هي أمور أثبتها العلم»، مع أنّ ما يسمّونه بِـ«العلم» يعترف بأنّ هذه النظريّات غير مثبتة.

وإليك اعترافات بعضٍ من الكتّاب المعاصرين الذين يُعتبرون مرجعًا عند معظم الذين يُصدّقون هذه النظريّات مما يؤيّد ما سبق وقلناه:

في الكتاب المسمى: «علم الأحياء الدقيقة» Microbiology, 2nd edition Prescott, Harley and Klein 1993 p.12
يقول المؤلفون: «من المهم ملاحظة أن الافتراضات والنظريّات غير مثبتة»اهـ.

وإليك أيها القارئ هذا الاعتراف من شخص يدّعي معظم المتعاملين بالنظريّات هذه الأيام أنه أذكى عالم فيزيائي بعد «اينشتاين» وهو البروفسور ستيفن هوكينغ  Stephen Hawking  أستاذ الرياضيات في جامعة كيمبردج، في كتابه المسمّى: «الثقوب السوداء والأكوان المولودة ومقالات أخرى»
Black Holes and Baby Universes and other Essays. Stephen Hawking 1993 p.36.

يقول: «إنّ نظريّات أنيقة وجميلة رُفضت لأنها لم تتوافق مع الملاحظات العلميّة Observations، إلا أنني لا أعرف نظريّة واحدة مشهورة تطوّرت على أساس من التجارب العلميّة…». ثمّ يتكلم على الطريقة التي ينبغي اتباعها في تنقيح النظريّات. فيقول: «النظريّة دائمًا تأتي أوّلًا بغية الحصول على شكل وصورة رياضية أنيقة، ثم تأتي التوقعات التي تطرحها النظريّة والتي يُمكن التأكّد منها عبر الملاحظات العلميّة إذا توافقت الملاحظات مع التوقعات النظريّة فإنّ هذا لا يثبت النظريّة، لكنّ النظريّة تبقى لمزيد من الفحص على هذا المنوال، أما إذا لم تتوافق الملاحظات مع التوقعات النظريّة فإنّ النظريّة ينبغي أن تُترك».

ثم يبدأ بالكلام عمّا يفعله الباحثون من أمثال بعض الفيزيائيين ونحوهم فيقول: «إنّ هذا هو المطلوب أن يحصل –أي ما ذُكر أعلاه– ولكنّ الناس لا يتخلّون عن نظريّةٍ استثمروا فيها الكثير من الوقت والجهد. ولذلك فإنهم إن حصل معهم تعارض بين التجارب والنظريّة يبدؤون بالشك في دقة الملاحظات والتجارب بدلًا من ترك النظريّة. وإذا لم ينجحوا في هذا فإنهم يحاولون تعديل النظريّة بطريقة غريبة حتى تصبح نظريّة غريبة الشكل» اهـ.

فهذا نصٌّ صريحٌ منه على أن معظم الذي يصدر وينتشر بين الناس على أنه نظريّة علميّة لا يكون مثبتًا كليًّا، بل إنه في معظم الأحيان لا يكون مثبتًا أبدًا وإنما يكون من نسج خيال واضع النظريّة، فتكون النظريّة قد وافقت هواه فيبدأ بالتلاعب بالملاحظات العلميّة ليقنع نفسه وغيره بأنها توافق نظريّته.

وهذا التلاعب بالحقائق يُلاحظ عند الكثير من الذين يحاولون إثبات النظريّة المسمّاة بالنشوء والتطور والارتقاء «Evolution» فقد ذُكر بعض ما يفعله هؤلاء من تركيب لهياكل عظمية مختلفة ومن صناعة تماثيل ليُثبتوا معتقدهم الفاسد.

ثم العجيب أننا نرى النظريّات هذه تُدرس في بعض المدارس والجامعات على أنها حقائق علميّة مُسَلّم بها. فإذا تكلم بعض المدرّسين عن إحدى هذه النظريّات نادرًا ما يذكر أنها نظريّة غير مثبتة بل غالبًا ما تُذكر على أنّها حقيقة علميّة فينشأ الكثير من التلاميذ على عدم الوعي وعدم التمييز بين الحقيقة والخيال فنرى كثيرًا منهم يدافعون عن النظريّة الفاسدة وكأنه يدافع عن حقيقة من الحقائق مع أنّ الأشخاص الذين قدّموا له هذه النظريّة لم يقدّموها على أساس أنّها حقيقة.