حسنٌ… إنه ليس مقالًا آخر أنتقد فيه مواقع التواصل الاجتماعي وروّادها، قد أتطرّق لها بشكل عابر، مجرد مرور الكرام كما يقولون، لكنّها حقًّا ليست السبب الرئيس وراء هذا المقال، صحيح أن العنوان الذي اخترته «متابعون»، أو كما هو مشهور على هذه الصفحات بـ«followers»، مأخوذ من مواقع التواصل الاجتماعي، لكن صدقوني هذه المرة لستم المستهدفين، لذا يمكنكم أخذ نفس عميق ومتابعة القراءة بأعصاب باردة.
«Followers» أو متابعون، وقد تترجم أيضًا لـ«متابعين» أي من يلحق أو يلاحق شيئًا، قد يكون هذا الشىء شخصًا، قد يكون فكرة، قد يكون جمعية أو حزبًا، قد يكون زعيمًا سياسيًّا، وقد يكون كما أصبح المعنى الأكثر انتشارًا للكلمة، صفحة «فايسبوكية». وكلما زاد المتابعون لهذا الشىء كانت شهرته أكبر وأكثر انتشارًا، فقليل منا من لا يطمح أن يكون له المئات من المتابعين على صفحته «الفايسبوكية» أو «الانستغرامية»، فبمجرد أن يضع تحديثًا أو صورةً جديدةً تنهال عليه الإعجابات والتعليقات، كلها من الـ «followers» الحنونين. أعلم أنني وعدتكم أن المقال لن يكون عن رواد مواقع التواصل لكنني لم أجد وسيلة للبدء بموضوعي الأصلي إلا عبرهم، لذا سأتوقف هنا لأكمل ما بدأت به آنفًا.
إذًا فالمتابعون ليسوا خاصين بمواقع التواصل فحسب، فكلمة «follower» قد تأتي بسياق غير الفايسبوك خاصة عندما يكون المتابع أعمى… كيف يكون المتابع أعمى؟ بكل بساطة أعمى البصيرة. من المؤكد أننا كلنا نعرف التقسيم الذي قسّمه سيّدنا علي رضي الله عنه للناس فذكر قسمًا هو محور كلامي اليوم وهم الهمج الرعاع، الذي يميلون مع أي شخص كيف يميل بدون أن يحكّموا الشرع ومن دون أن يفكروا بعقولهم، فتراهم تارة في أقصى الشرق وتارة أخرى في آخر الغرب لا يدرون كيف كانوا هناك ولا كيف أصبحوا هنا كل ما يدرونه أنهم يتبعون، من ولماذا يتبعون؟ هذا ليس مهمًا عندهم المهم أنهم «followers».
القسم الأول من هؤلاء هم الفلاسفة الافتراضيون، أعني بذلك أولئك الناس الذين قرؤوا بضع صفحات من كتب الفلاسفة، وعملوا «like» لبعض صفحات الخواطر الفايسبوكية فظنوا بأنفسهم أنهم أصبحوا دكاترة وفلاسفة، يقولون ما يشاؤون وقت ما يشاؤون وحيث يشاؤون، وكأنهم نسوا أنهم عن كل كلمة يقولونها أو يكتبونها أو ينشرونها محاسبون. فتراهم محترفين بالقطع واللصق «copy paste» لتصاريح ومقولات وعبارات ما أنزل الله بها من سلطان، ويبدؤون بإعطاء آرائهم في أسرار الكون والوجود، وعلم الماورائيات ولا أدري ماذا أيضًا، وإن أنت سألته ما تعريف الفلسفة لا يدري.
أما القسم الآخر فهم علماء الفيزياء والكيمياء والطب وعلم الوراثة البشرية والجينات، ولا أقول إلا «الله المستعان». لو علم مارك زوكربرغ أن «فايسبوكه» سيخرّج هذا الكم من الأطباء والعلماء لربما أجبر الناس على دفع أقساط جامعية للاشتراك بالفايسبوك. والأخطر من هذا عندما يبدأ هؤلاء الناس بنشر نظريّات علميّة منافية للدين ويبدؤون بالدفاع عنها بكلّ ما أوتوا من قوة فنراهم يتخبّطون في مستنقعات الجهل وهم يظنون أنفسهم مرشحين لجائزة نوبل في العلوم.
فيا أيها الـ«follower» على نسق ما ذكرنا أمامك خياران: إمّا أن تكون متابعًا لفكرة أو شخص أو صفحة «فايسبوكية» وأنت لا تفقه شيئًا منها وهذا خطر، وإما أن تكون متابعًا لهذه السخافات والدجّالين والأفكار الهادمة للدين والمجتمع وأنت تعرف حقيقتها وهذا أخطر. كثير ممّن ينشرون الأفكار والآراء المتنوعة على الفيسبوك أو حتى في المجلات أو ممن يتكلّمون على التلفاز لا يعرفون أصل هذه الأفكار والسبب الرئيس وراء إنشائها. ونراهم يتحدثون ويتفلسفون ويدافعون «بالسيفين» عن هذه الأفكار ولا يدرون أنهم منقادون «على عماها» وراء أفكار ونظريّات وآراء ومعتقدات تهدم أصل الدين الإسلامي.
باختصار شديد مجرد متابعتك لصفحة أو قراءتك لكتاب أو كتابين لن يزيدك معرفة وحكمة في الغالب لا بل قد يزيد في جهلك، عليكم يا إخوتي أن لا تكونوا مجرد تابعين بل أن تعملوا جهدكم حتى تكونوا متبعين، بالتأكيد متبعين بالحق، لذا نصيحة لكم: دعوا الـ«following» لأهله وكونوا أهلًا للاتباع. والسلام.