استيقظت دلال من نومها، وكالعادة وقفت أمام المرآة لتنظر إلى نفسها فانقبضت أساريرها وأحست بالامتعاض والانزعاج، ثم توجّهت إلى غرفة الجلوس حيث كانت والدتها تجلس، وكانت تُتمتم بكلمات غير مفهومة، فسألتها أمها: ما الذي حصل يا دلال ما بك؟ ودون أن تلقي التحيّة قالت بنبرة حادّة: كم أنا قبيحة، قبيحة، نظرت إليها أمّها وهزت رأسها يمينًا ويسارًا بنظرة فيها عتاب وشفقة وقالت لها: نفس الأسطوانة تعيدينها كل يوم يا دلال؟ يا ابنتي لماذا لا تصدقين بأنّك جميلة؟ رفعت دلال رأسها لتنفي ما تقوله والدتها قائلةً: أريد أن أعمل عمليات تجميل ولا أحد يعترض طريقي أرجوكم… وأنت يا أمي تقولين لي هذا الكلام حتى تواسيني وكما يقولون: «القرد في عين أمه غزال»، وهنا تدخّلت الأخت الكبرى سعاد وقالت: ماذا تقولين يا دلال؟ ألا تعلمين يا أختاه بأنني أراك أجمل واحدة فينا في البيت؟ إنّك جميلة جدًّا وليس أحدٌ بيننا يملك جمال عينيك يا عزيزتي، فلمَ هذا التشاؤم؟ قالت دلال بلهجة المـُحبَطة: أنتم تجاملونني وليس صحيحًا ما تقولينه فأنا قبيحة… وكان والدها يتهيّأ للذهاب إلى عمله فاستغرب ما قالته دلال فاقترب وجذبها من يدها ثم أجلسها وقال لها: لماذا تقلّلين من شأنك هكذا يا ابنتي، أصدقك القول بأني لطالما كنت أراكِ مميّزة، قالت: أبي إنّ رفيقاتي كلهنّ أجمل مني وأنا دائمًا أشعر بأنّي أقل منهن، ردّ عليها والدها باستغراب: الجمال هو جمال الروح يا ابنتي، هي مقولةٌ تُرَدّدُ كثيرًا لكنّها تعبّر عن حقيقة الجمال، يا حبيبتي، عِفّتك هي جمال، أخلاقك الحسنة جمال، صدقك ونزاهتك جمال وغيرها وغيرها يا دلال.

احمدي الله على نعمهِ الجمّة التي وهبك إياها أنتِ نفسك لا تستطيعين أن تحصيها، كنعمة البصر والسمع، والذوق، والعقل وغيرها الكثير، هناك أناس قد لا يملكون نصف ما تملكين منها، تخيّلي فقط لو أنك فقدت حاسة واحدة من حواسك، ستجدين عندها كم ستتغير حياتك وكم ستشعرين بأهمية النعمة التي كنتِ تملكينها، فكيف يا عزيزتي بالذي عنده إعاقة فلا يمشي ولا يستطيع الحركة ولا يتكلم ولا يسمع، كيف هي حياته يا ترى؟ اقنعي بما قسم الله لكِ ولا تتذمري، هناك أشياء أهم من هذا عليك الاهتمام بها. هداك الإله وأصلح حالك ونوّر دربك وبصيرتك يا ابنتي…!!

لكن وللأسف لم يستطع كلام والديها أن يؤثر على ما يجول في بالها ويبدّد أفكارها السوداء، ومرت الأيام تلو الأيام وحالة دلال إلى الأسوأ وصارت عصبيّة جدًّا، وهذا ما أثّر في دراستها فتراجعت علاماتها في الامتحانات وكان لا يكاد يمر يوم دون أن تصطدم فيه مع أحد في البيت. تثور وتصرخ وتمتعض، ثم تجلس لساعات وهي تراقب «عارضات الأزياء» والممثلات وتتمدح بجمالهن وتتمنى أن تكون مثلهن جميلة الشكل، وكان قلبُ أمها يعتصر لكنها لا تستطيع فعل شىء، لأن دلال لا تقبل النصح ولا التوجيه من أحد وكانت دائمًا تعتقد أنهم يجاملونها، وكانت في بعض الأحيان تنهرهم وتكسر قلب أمها بكلامها فتبكي من سوء معاملة ابنتها لها. ولكن الأم لا تكل ولا تمل من المحاولة فهي تصبر على أبنائها. فكانت تُجلِس دلال أحيانًا وتذكرها بالآيات والأحاديث الشريفة التي توصي الأبناء بوالديهم فتوافق والدتها بما تقول وتندم ساعتها لكنها تعود بعد ذلك لسابق تصرفاتها وتشاؤمها.. ومرّت الشهور والوضع ما زال سيئًا ودلال غير راضية بل التذمر صار من عاداتها اليومية، وصارت دلال في الجامعة بعد ذلك وفي يوم من أيام الجامعة أنهت محاضراتها وركبت سيارة أجرة لتعود إلى بيتها، وفي الطريق تشاجر سائق السيارة مع سائق آخر كان سيصطدم به ونزل من السيارة ليتعارك معه لكن الناس تدخلوا وفضوا النزاع، فصعد السائق السيارة والغضب يتطاير من عينيه، وأخذت سيارته تسرع كما لو أنها ستطير فارتعبت دلال وحاولت أن تطلب منه أن يهدئ السرعة قليلًا لكنه لم يسمع وبدا وكأنه أصم، فالغضب أفقده حلمه ورشده فلم يستجب لتوسلات دلال بالتروي وخفض سرعته، وبسبب هذه السرعة الهائلة لم يستطع هذا السائق تجنب الاصطدام بسيارة تظهر له فجأة وهي تخرج من منعطفٍ أمامه مما تسبب بحادث أليم جدًّا، نقل على أثره جميع الركاب إلى المستشفى وكانت دلال من بينهم فقد أصيبت إصابة بالغة وكانت الدماء تلطخ وجهها، وأدخلوها الطوارئ وهي فاقدة الوعي، وكانت حالة السائق حرجة جدًّا فقد كانت إصابته في رأسه، والسائق الآخر أيضًا بدا في حالة خطيرة، إنه حادث أليم، وأجرت إدارة المشفى اتصالاتها بأهالي المصابين، فهرع أهل دلال إلى المستشفى وهم مذعورون، ما الذي ينتظر دلال؟ إلى اللقاء في العدد القادم. يتبع…

سر القناعة… الحلقة الثانية
https://manarulhudamag.com/238_21/