بعض البشر تبدأ حياتهم ببساطة وهدوء… يتركون كل التعقيدات خلف ظهورهم ويسيرون بخطوات رزينة وثابتة نحو مستقبل أيامهم… وإن اعترضتهم مشكلات يعملون على حلّها بكل هدوء وسكينة… ويتابعون حياتهم على نفس الوتيرة… وبعضهم يغرقون في هموم الحياة ولا يتقنون السباحة وعبور المشكلات بأمان وسلام… يضيعون أمام  كل مشكلة تعترضهم ويسقطون في هاوية الذنوب ولا يعطون لسقوطهم أيّ أهمية… ثم يتابعون سيرهم وكأنه لم يحصل أي شىء…

فؤاد موظف في إحدى الدوائر الحكومية… راتبه جيد… يشارك إخوته بالإنفاق على والدته الأرملة المريضة… متزوّج من رحاب… موظفة في مستشفى… عندهم ولد وحيد… أمين… تلميذ في إحدى المدارس القريبة… رحاب تكبر فؤاد بحوالي خمس سنوات… لكن لم يكن هذا الأمر عائقًا أمام زواجهما… أحبّها كثيرًا وأحبّته… تزوجت من فؤاد… وعاشا أيامًا سعيدة… وعندما رزقا بولدهما… أمين… زادت فرحتهما… وصار عندهما ما يجمعهما أكثر… الولد الحبيب…

الأبناء… نعمة جميلة… إن أحسنّا تربيتهم… وعلّمناهم أمور دينهم وما ينقذهم من النار… تكون لنا فرحتان… فرحة في الدنيا… إذ نرى أمامنا ما يرضي قلوبنا من تصرفاتهم الطيبة ونشكر الله عزّ وجلّ على نعمة صلاحهم… وفرحة في الآخرة… فرحة دخول الجنة لمن يلتزم بشرع الله العظيم… ويسير على هدي النّبيّ الكريم…

مرت سنوات عديدة… أمين صار في الخامسة عشرة من عمره… وصار يلاحظ كثرة المشكلات بين والديه… يتشاجران لأتفه الأسباب… فؤاد لم يعد يرى في رحاب حبّ حياته… لكن رغم هذا كان يحاول أن لا يسيء إليها… بل يعاملها معاملة طيّبة… لكنها لاحظت أنه لم يعد يتصرف كما كان في السابق… لا يظلمها… لكن لا يعاملها بالحبّ والمودة كما كان سابقًا… تعاتبه… ثم يتحوّل العتاب لشجار وأصوات مرتفعة… وبلغ الأمر لدرجة أنه صار ينام خارج المنزل… عند والدته… ليخفف من حدّة التشاحن بينهما…

نوال… طالبة جامعية… تسكن وأهلها في نفس الشارع  الذي يعمل فيه فؤاد… كان يراها صباحًا حين دخوله لمركز عمله… أعجبته… أوقفها مرة في الشارع… تعرّف عليها… وبعد عدة لقاءات طلب زيارة أهلها لخطبتها…. لم تمانع… عرفت بأمر زوجته وولده… قبلت أن تكون الزوجة الثانية… ورفضت أن يطلق فؤاد زوجته الأولى… قالت له تبقى معها… هي أم ولدك… ولا أرضى  أن أخرب بيتها لأبني بيتي… كانت متفهمة… رغم صغر سنّها… لم ترد أن يعيش ابن زوجها حياة الهم والألم التي عاشتها هي وأمها وأختها… أمها طلقها والدها وهي طفلة… عاشت مع أختها وأمها دون رعاية الأب واهتمامه… كانت حياة صعبة… وحرصت أن لا يعيش أمين نفس تلك المشقات والآلام… الشرط الوحيد الذي طلبته نوال من فؤاد أن يعيش معها في بيتها… لم تجد مشكلة في ذلك… وأن تتابع دراستها الجامعية… وأن لا تكون بعيدة عن أمها المريضة وأختها سمر… الطالبة في المرحلة الثانوية… كي تساعدها في دراستها… وتم الأمر… وافق فؤاد على شروط نوال… تزوّجا… وسكن مع أهلها في بيت الأسرة…

رحاب… الزوجة الأولى… صدمها الأمر في البداية… عاشت أيامًا صعبة… لكنها كانت تعلم أن هذا لا يخالف الشرع… وأن زوجها رغم زواجه الثاني لن يتركها… وسيبقى معها يعاملها بالمعروف والإحسان… مرّت سنة تقريبًا… وأطلت طفلة صغيرة على الدنيا… فرح فؤاد بها كثيرًا… نوال أسعدها قدوم طفلتها الغالية… حتى رحاب… الزوجة الأولى… فرحت بالطفلة… ذهبت لرؤيتها وصارت تساعد أم نوال في إعداد الطعام والحلويات…

مرّت شهور… كبرت الطفلة… أخذتها أمها مع والدتها في زيارة روتينية إلى الطبيب… بقيت سمر بمفردها في البيت لإنهاء دروسها… وجاء فؤاد إلى المنزل بعد انتهاء عمله… وجد سمر بمفردها… دخل إلى غرفته… لم يكلّم سمر… أغلق باب غرفته… وتمنّى عودة زوجته بأقرب فرصة…

الخلوة بالأجنبية حرام… إنها تفتح أبواب الشيطان… النفوس الضعيفة قد لا تصمد أمام وساوسه فيغرقون في الذنوب والآثام… دخل فؤاد إلى غرفة سمر… حاول أن يصل إليها… قاومته… حاول كتم صوتها… لكنها ازدادت دفاعًا عن نفسها… وفجأة يُفتح باب الغرفة لتطل زوجته وتراه على ما هو عليه… كادت أن تفقد صوابها… لم يعرف فؤاد كيف يتصرف… لم ينطق بأيّ كلمة… ارتدى ثيابه وترك المنزل ورحل…

ذهب ليعيش في منزل والدته… ولم يعد يستطيع النظر في وجه رحاب أو نوال… ضاقت به الدنيا… تاب إلى ربّه… وسأل الله أن يغفر له وأن يعفو عن خطاياه وذنوبه… قال رسول الله ﷺ: «ألا لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ فإنَ ثالثهما الشيطان» رواه النسائي، صدق رسول الله ﷺ.