الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين. لقد خصَّ الله سبحانه وتعالى نبيّه بالمعجزات الباهرات وكان سيّدنا محمّد ﷺ أكثر الأنبياء معجزاتٍ. قال الإمام الشافعي: «ما أعطى الله تعالى نبيًّا ما أعطى محمَّدًا ﷺ فقيل له: أُعطي عيسى عليه السلام إحياء الموتى فقال: أُعطي محمّد الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هُيّئ له المنبر فلما هُيّئ له المنبر حنَّ الجذع حتى سمع صوته. فهذا أكبر من ذاك» رواه أبو نعيم في الحلية. 

ولقد خصّ الله نبيّه محمّدًا ﷺ بمعجزة الإسراء والمعراج. قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1)سورة الإسراء.

كان رسول الله محمّد ﷺ نائمًا في بيت أم هانئ شقيقة سيّدنا عليّ رضي الله عنه وذلك في حيّ اسمه «أجياد». وكان الرسول ﷺ نائمًا بين رجلين هما عمّه حمزة وابن عمّه جعفر بن أبي طالب. ففتح جبريل عليه السلام سقف البيت الذي كانوا فيه من غير أن يهبط عليهم تراب ولا حجر ولا غيره، ثمَّ أيقظ النَّبيّ ﷺ وأتاه بالبراق وهو دابّة من دواب الجنّة فوق الحمار ودون البغل في الحجم، يضع حافره حيث أدرك طرفه، وهذا من العجائب التي خلقها الله تعالى فإن البراق لما يرتفع تطول رجلاه، وإذا أراد الانخفاض تقصُرُ رجلاه. فلما ركبه النّبيّ استصعب عليه فقد كان ذلك من باب  الدلال، أي من فرحة البراق أصابته هِزَّة ولم يكن ذلك امتناعًا. ثمَّ انطلق البراق حتى وصل إلى المدينة المنوّرة ولم يكن بعد قد هاجر النبيّ ﷺ إليها فقال له سيّدنا جبريل: انزل، فنزل فقال له: صلّ ركعتين، فصلّى ركعتين، ثمَّ فعل مثل ذلك في بلَد اسمها «مَدْيَن» وهي بلد نبيّ الله شعيب، وكذلك فعل في «بيت لحم» حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام.

بعض ما رأى النبيّ في إسرائِه

-1 رأى أناسًا تُرضخ رؤوسهم -أي تُكسر- ثمَّ تعود كما كانت، وهم تاركو الصلاة.

-2 رأى أُناسًا تُقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نار وهم خطباء الفتنة الذين يخطبون للشرّ والفتنة ويعملون الفساد، والمقراض هو المقص.

-3 رأى المجاهدين في سبيل الله يزرعون ويحصدون في يومين.

-4 رأى ثورًا يخرج من منفذ ضيّق ثمَّ يريد أن يعود فلا يستطيع وهو الذي يتكلم بالكلمة الفاسدة.

-5 رأى قومًا يتنافسون على اللحم المنتن ويتركون اللحم الجيّد المشرّح وهم الزناة.

-6 رأى أناسًا يشربون من الصديد الخارج من الزناة وهم شاربو الخمر.

-7 رأى قومًا يخمشون وجوههم وصدورهم بأظفار نحاسية وهم الذين يمشون بالغيبة.

ماشطة بنت فرعون

وخلال إسرائه ﷺ شمَّ رائحة طيبة انبعثت من قبر ماشطة بنت فرعون وكانت مؤمنة صالحة.

جاء في قصتها أنها بينما كانت تمشط رأس بنت فرعون سقط المشط من يدها فقالت: بسم الله، فسألتها ابنة فرعون: أوَ لكِ ربٌّ إله غير أبي؟! فقالت الماشطة: ربّي وربُّ أبيك هو الله، فقالت لها: ارجعي عن قولك، فلم ترجع، فشكتها إلى فرعون، فطلب منها الرجوع عن دينها فأبت فحمّى لها ماءً وزيتًا حتى صار شديد الحرارة، وألقى فيه أولادها واحدًا بعد واحد، ثمَّ لما جاء الدور إلى طفل كانت ترضعه ازداد خوفها وقلقها، فأنطق الله تعالى الرضيع فقال: يا أُماه اصبري فإن عذاب الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا فلا تتقاعسي فإنك على الحق!. فأخذ رضيعها فألقاه في الماء المغلي، وقالت لفرعون: لي عندك طلب أن تجمع العظام وتدفنها في قبر واحد. فقال فرعون: لك ذلك ثمَّ ألقاها فيه فماتت هي وأولادها شهداء.

ولما وصل النّبيّ ﷺ إلى بيت المقدس جمع الله له الأنبياء جميعهم تشريفًا له، فصلّى بهم إمامًا، وفي ذلك بيان أفضليّته على سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

رحلة المعراج  

كان جبريل عليه السلام لما أيقظ سيّدنا محمّدًا ﷺ في بيت أم هانئ قام بشق صدره ثم ملأه حكمة وإيمانًا ليتحمّل مشاهدة عجائب خلق الله. ثمَّ نصبَ «المعراج»، والمعراج مرقاة شبه السلم بين السماء والأرض. ثم صعد به جبريل عليه السلام حتى انتهيا إلى السماء الأولى حيث رأى سيّدنا آدم عليه السلام، وفي السماء الثانية رأى سيّدنا عيسى وسيّدنا يحيى عليهما السلام.

وفي السماء الثالثة رأى يوسف عليه السلام. قال رسول الله ﷺ عنه: «أُعطي شطر الحُسْن» رواه الإمام أحمد.

وفي السماء الرابعة رأى إدريس عليه السلام.

وفي السماء الخامسة رأى هارون عليه السلام.

وفي السماء السادسة رأى موسى عليه السلام.

وفي السماء السابعة رأى إبراهيم عليه السلام وكان يشبه سيّدنا محمّدًا من حيث الخِلقة.

رؤية سيّدنا جبريل 

ورأى النّبيّ محمّد ﷺ في معراجه جبريل عليه السلام على صورته الحقيقية ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) سورة النجم. وكان النبيّ ﷺ قد رأى جبريل عليه السلام أول مرة في مكة على جبل اسمه «أجياد» على هيئته الأصلية.

قال تعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) سورة النجم. هذه الآية معناها أن جبريل عليه السلام دنا من سيّدنا محمّد ﷺ فتدلى إليه. في الأرض، قال له جبريل: اطلب من الله أن تراني في صورتي الأصلية، فطلب، فظهر له من المشرق فَسَدَّ ما بين المشرق والمغرب! فصُعِق
رسول الله ﷺ، أي غُشي عليه، ثمَّ أخذه جبريل وقد تحوّل إلى الصورة البشرية فضمّه جبريل إليه، ثمَّ قال رسول الله ﷺ: «يا جبريل ما ظننت أن الله خلق أحدًا على مثل هذه الصورة»، فقال له جبريل عليه السلام: إن الله تعالى خلقني على ستمائة جناح وما نشرت منها إلا جناحين، وإن الله خلق إسرافيل على ستمائة جناح الجناح منها مثل كل أجنحتي، وقد أورد هذه القصة القرطبي في تفسيره.

من عجائب ما رآه في المعراج

– رأى مالكًا خازن النّار ولم يضحك للرسول ﷺ. فسأل جبريل فقال: إن مالكًا لم يضحك منذ خلقه الله تعالى.

– البيت المعمور: رآه الرسول في السماء السابعة وهو بيت مشرّف وهو كالكعبة لأهل الأرض يدخله كل يوم سبعون ألف ملك يُصلّون فيه ثمَّ يخرجون ولا يعودون.

– سدرة المنتهى: وهي شجرة عظيمة بها من الحسن ما لا يصفه أحد.

– الجنة: وهي فوق السماء السابعة فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر.

– العرش: وهو أعظم المخلوقات حجمًا. قال الرسول ﷺ: «ما السماواتُ السبعُ معَ الكرسيّ إلا كحَلْقَةٍ مُلقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ، وفضلُ العرشِ على الكرسيّ كفَضْلِ الفلاةِ على الحَلْقةِ» رواه ابن حبان. وقد خلق الله العرش إظهارًا لقدرته ولم يتخذه مكانًا لذاته، لأنّ الله موجودٌ بلا مكان.

– وصل الرسول ﷺ إلى مستوى يُسمع فيه صريف الأقلام التي تنسخ بها الملائكة في صحفها من اللوح المحفوظ.

– رأى الله عزّ وجلّ بفؤاده لا بعينه، أي جُعلت له قوة الرؤية في قلبه لا بعينه، لأنَّ الله لا يُرى بالعين الفانية في الدنيا إنما المؤمنون يرون الله وهم في الجنّة بأعينهم الباقية بلا مكان ولا جهة ولا مقابلة ولا ثبوت مسافة ولا اتصال شعاع بين الرائي وبينه عزّ وجلّ.

مدة الإسراء والمعراج

حصل إسراء الرسول ﷺ ومعراجه في ثلث ليلة، ولما أخبر الكفار استهزؤوا به ولم يصدقوه. وذهب ناس منهم إلى أبي بكر الصديق فقالوا له: هل لك في صاحبك يزعم أنّه قد جاء بيت المقدس ثمَّ رجع إلى مكة في ليلة واحدة. فقال أبو بكر: أوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق! إني أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء. وبها سمّي أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

ولم ينل أحد من الأنبياء والرسل مثل تلك المعجزة العظيمة التي خصّ الله بها سيّدنا محمّدًا ﷺ.

والحمد للّه أولًا وآخرًا.