الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على رسول الله محمّد، وبعد فإن عقيدة كلّ المسلمين أن الله تعالى أزليّ أبديّ وصفاته أزلية أبدية ولا يجوز اتصافه بصفة حادثة مخلوقة لأنه تبارك وتعالى هو الخالق وليس مخلوقًا، فيجب تنزيهه عن صفات المخلوقين. قال تعالى في سورة الشورى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)، فاللّه تعالى لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء. 

ويقول ربّنا تبارك وتعالى في سورة الأعراف/180:
﴿وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى، معناه أسماء الله تعالى كلّها دالّة على الكمال ولا يوصف الله تعالى بصفة تدلّ على النقصان.

وقد قال ربّنا عزّ وجلّ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء سورة النور/35.

وروى الإمام الترمذي في سننه حديثًا في تعداد أسماء الله تبارك وتعالى ومنها النور.

فما معنى الآية؟ وما معنى اسم الله تعالى النور؟

روى الطبري والبيهقي وغيرهما عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الله هادي أهل السماوات وهم الملائكة، والمؤمنين من الإنس والجن من أهل الأرض لنور الإيمان. اهـ فاللّه هو الذي مَنَّ على من شاء من عباده بالهداية والسَّداد، وقال العلماء: أحسن تفسير للآية ما يوافق السياق فقد جاء في آخر الآية
﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء.

ورُوي عن سيّدنا علي رضي الله عنه أنه قال:
﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أي منير السماوات والأرض اهـ.

فاللّه تعالى ليس نورًا بمعنى الضوء بل هو الذي خلق الضوء كما قال تعالى في سورة الأنعام/1:
﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ أي وخلق الظلمات والنور، وهذه الآية دليل على أنّ الله تعالى ليس حجمًا كثيفًا كالسماوات والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظلمات والنور لأنه سبحانه أخبر فيها أنه خالق الحجم الكثيف الذي يُمسَك باليد مثل السماء والأرض، فإنها جسم صلب ليست بخارًا أو غازات والحجم اللطيف الذي لا يُمسك باليد مثل الظلمة والضوء، فالنور مخلوق والظلام مخلوق، والله تبارك وتعالى لا يشبه المخلوق، ومن يعتقد أنّ الله تعالى نور أي ضوء فهو مشبّه، شبّه الخالق بالمخلوق، ومَن شبّه الله بالمخلوق فهو كافر ليس مسلمًا.

وأكثر المشبّهة يعتقدون أنّ الله حجم كثيف مستقرٌّ في السماء أو على العرش وبعضهم يعتقد أنّه حجم لطيف منتشرٌ كالهواء في الأماكن كلّها أو أنّه ضوءٌ حيث إنّهم قالوا إنّه نور يتلألأ أبيضُ أو غير ذلك بل قال بعضهم إنّه ضوء أسود، تعالى الله عن ذلك، فهذه الآية وحدها تكفي للردّ على كلّ هؤلاء، وهي حجة على الفريقين، من شبَّه الله بالحجم الكثيف ومن شبّهه سبحانه بالحجم اللطيف.

قال الإمام أبو حنيفة في رسالته المسمّاة بالفقه الأكبر وهي من بعض رسائله في علم الكلام «أَنَّى يُشْبِهُ الخَالِقُ مَخْلُوقَهُ» مَعناهُ لا يصحُّ عقلًا ولا نقلًا أن يُشْبِهَ الخَالِقُ مَخْلُوقَه، وكلام الإمام هذا أخذه من البراهين النقليّة لوجوب مخالفته تعالى للحوادث أي عدم مشابهته لها كقوله تعالى في سورة الشورى/11:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌوهو أوضح دليلٍ نقليّ في ذلك جاء في القرءان فيه بيان تنزيه الله تبارك وتعالى التنزيه الكلّيّ عن مشابهة المخلوقين.

فليحذر الإنسان من تشبيه الله بخلقه فإنّ الربّ سبحانه وتعالى يجب تنزيهه عن أيّ صفة من صفات المخلوقين ولا يجوز وصفه بصفة من صفات البشر فقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي وهو من علماء السلف في رسالته المشهورة العقيدة الطحاوية التي قال بأنها عقيدة أهل السنة والجماعة أي التي كان عليها النّبيّ ﷺ وأصحابه وهي عقيدة كل المسلمين: «ومن وصف الله بمعنًى من معاني البشر فقد كفر» اهـ، أي مَن وصف الله تعالى بصفة من صفات البشر فليس بمسلم بل هو كافر، فعليه أن يخلص من هذا الكفر بأن يعتقد الاعتقاد الصحيح وينطق بالشهادتين وهما أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمّدًا رسول الله ليكون مسلمًا.

وختامًا تمسّكوا بعقيدة الأنبياء ولا تحيدوا عنها واثبتوا على التوحيد ونزّهوا ربّكم عما لا يليق به وتعلّموا فإنما العلم بالتعلم كما جاء عن نبيّنا صلوات ربّي وسلامه عليه.

والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.