الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول الله. قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ سورة الحجرات. فالعبرة عند الله بالتقوى سواء في ذلك الذكور والإناث، وأما في العبادات والطاعات فهناك نوع من الأحكام خاص بالنّساء كالأمور المتعلقة بالحيض والنّفاس والستر والعِدَّةِ والإحدَادِ وغير ذلك.
ولقد كان رسول الله ﷺ يهتمُّ بتعليم النّساء ما يحتجنَ إليه فكان يخصهنَّ ببعضِ مجالسه ومواعِظه وأحيانًا كُنَّ يحضُرنَ مع الرجال ويسألنَ عمّا يهمُّهنَّ من أمور الدين، ذكر البخاري في كتاب العلم في صحيحه في باب عِظة النّساء وتعليمهنَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أشهدُ على رسول الله ﷺ أنه صلّى صلاة العيد قبل الخُطبة، قال: ثمّ خطب فرأى أنهُ لم يُسمِعِ النّساء فأتاهُنَّ فذَكّرهنَّ ووعظَهُنَّ وأمرَهُنَّ بالصدقة وبلالٌ باسِطٌ ثوبه، فجعلت المرأة تُلقي الخَاتم والخِرصَ والشىء. وفي هذا الحديث استحبابُ وعظِ النساء وتعليمهنَّ ولو كان في محضر الرجال، وبَسْطُ بلال رضي الله عنه للثوبِ على معنى جمع الصدقة من حُليّ النّساء. وأما إفرادهُ ﷺ النّساء بمجالس خاصة فكان يحصلُ أحيانًا، كما روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا
رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلّمنا مما علّمك الله. قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا». فاجتمعن فأتاهنّ رسول الله ﷺ فعلّمهنّ مما علّمه الله، وهذه السيّدة الجليلة عائشة رضي الله عنها تمدحُ وتُثني على النّساء اللواتي يَسألنَ عن أمور الدين فقالت: «نِعمَ النّساءُ نساء الأنصار لم يمنَعْهُنَّ الحياء أن يتفقَّهنَ في الدين» رواه البخاري.
حكم عورة المرأة
ومن الأحكام المتعلقة بالنساء أنه يجب على المرأة سترُ جميع بدنها ما عدا الوجه والكفّين أمام الرجال الأجانب وذلك لقوله تعالى:
﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ سورة النور/31، وفُسّرَ ما ظهرَ منها بالوجه والكفين، وإنّما لم يكونا عورة لأنّ الحاجة تدعو إلى إبرازهما.والسترُ يكونُ بما يستر لونَ البشرة والشعر فلا يكفي ما يحكي لون البشرة أو الشعر كالثوب الشفّاف الـمُظهِر لما تحتهُ من لون البشرة أو لون الشعر، لحديث عائشة رضي الله عنها أنَّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها دخلت على
رسول الله وعليها ثياب رِقاق فأعرضَ عنها
رسول الله وقال لها: «يا أسماء إنَّ المرأة إذا بلغت المَحيض لم يَصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا»، وأشار إلى وجهه وكفيه، رواه البيهقي، ولا يشترط للمرأة لباسٌ معين بل كل ما توفرت فيه شروط الستر يصلح سواء كان قماشًا أم جلدًا أم غيره ممّا يُغطي لونَ الجلد والشعر، إلا أنّ الأفضلَ ما كان فضفاضًا واسعًا كالجلباب لإخفائه حجم الجسد الحقيقي، ولا بأسَ بالسراويل الواسعة ولو تحتَ القمصان «الفساتين» فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينما النّبيّ ﷺ على باب المسجد مرّت امرأة على دابة فلما جازت النّبيّ ﷺ عثرت بها فأعرضَ النّبيُّ ﷺ وتكشّفت فقيل: يا رسول الله إنَّ عليها سراويل فقال: «رحِمَ اللهُ المُتَسَروِلاتِ» رواه البيهقي.
وليُعلم أن الستر الواجب على المرأة ليس فيه ذُلٌّ لها وليس لعيبٍ فيها، إنّما هو تعبّدٌ وطاعة للّه ولتُحفَظَ وتُصان عمّن لا يجوز له النظر إليها، وأما ما بين السرة والركبة من المرأة فلا يجوز أن تكشفه لغير الزوج ولو أمام المحارم إلّا إن كان لضرورة أو في خلوة لحاجة، وكم أفسدت عادة كشف العورات والتعرّي من نساء ورجال وبيوت ومجتمعات، وكم أورثتها فتنًا ومشكلات وفضائح، فعلى المرأة التي تخاف الله وتريد العفّة والصون والشرف أن لا تنجرف مع أولئك اللواتي يكشفْنَ ويتعرّينَ أمام الرجال الأجانب من الجيران والأقارب غير المحارم أو الأصدقاء، فهؤلاء وقعنَ في الحرمة والمعصية لأنَّ الشرع الشريف ينهى المرأة أن تكشف بدنها أمام الرجال الأجانب إلا الوجه والكفين.