إحساسٌ خانق بالوحدة سيطر علي وشلَّ أفراحي، شعرت بالحاجة إلى البوح قليلًا، ولم تعد تكفيني الخواطر التي أكتبها على الورق أحيانًا، وأحيانًا أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي! شعرتُ بحاجةٍ إلى روحٍ تشبه روحي، وإلى قلبٍ يشعر بقلبي، وإلى صديقة تفهم ما يعتريني من أحاسيس. 

وأخذتُ أبحثُ عن صديقة…

مدّة طويلة مرّت عليّ، اعتدتُ خلالها مصادقةَ الجمادات من حولي دون الناس، فالورقة والقلم أعزّ أصدقائي، وكذلك أحواض الورد على الشرفة، والكتب في المكتبة والشاي في فنجانٍ أذيبُ فيه أحزاني.

واليوم، أنا أشعر بحاجة مُلحّة للعودة إلى المجتمع البشري الذي اعتزلته حتى كدتُ أنسى أنني أنتمي إليه! وقررتُ كسر عزلتي، وفعلًا، بدأت بالانخراط رويدًا رويدًا بنشاطات جديدة، فريق إنشاد، رحلات، جلسات وسهرات اجتماعية، مجموعات دردشات إلكترونية…

وأخذتُ أجبرُ نفسي التي اعتادت العزلة على الخروج، وأجبر لساني الذي اعتاد الصمت على «ملاطفة الناس حولي»!

ولكني لم أتخلّص أبدًا من الإحساس القاتل بالعزلة، بل ومن الغرابة أنه كان يزداد ويقوى كلما انخرطتُ بالناس…

فلقد قابلتُ عشرات الأشخاص ولكنني لم أعثر على تلك الصديقة، ودخلت فرقًا ومجموعات كثيرة ولكن لم أستطع أن أصير يومًا من أعضاء الفريق!
فتلك الشخصيات لا تشبهني ولا أشبهها! فالاهتمامات مختلفة والأفكار متباعدة، ولا مجالَ للبوح، فربما تحوّلت دموعك بينهم إلى نكتة جديدة يضحكون عليها!
ووجدتُني، آخر النهار أعود إلى صديقيّ الحبيبين واللّذين يترجمان إحساسي ومشاعري جيدًا، الورقة والقلم، وكتبت: «أدمنتُ الكتمان حتى لم أعدْ قادرةً على البوح…».

ورفعتُ القلم، لأطوف في ذلك المجتمع البشري، ولأستعرضَ كيف سقط معظم أفراده في السخافات، واعتادوا استهلاك الرخيص حتى نسوا قيمة الشىء النفيس!

وكنتُ قد حاولتُ أن أنخرط في الرسائل الإلكترونية كغيري، فأخذت أرسل على المجموعات فوائدَ وعبرًا كجزء من نشاطي الاجتماعي الجديد. ولكني لما كنت أرسلها لم أكن أتلقى أي رد، وساعات طويلة تمر ورسالتي هي الرسالة الأخيرة!

وأواسي نفسي، ربما كانوا منشغلين، ربما وربما…!

ولكن الردّ الصّاعق يأتيني حالما يرسل شخص مقطع فيديو مضحك، فيرد العشرات: «واو – مضحك – مهضوم…» ولما تكرّر هذا الأمر عشرات المرات خرجت من كل المجموعات!

ولكني لا زلت بحاجة إلى تلك الصديقة!

بحاجة إلى من أكلّمها أحيانًا، لأشكو لها أحيانًا، فقد نفد حبر قلمي من أنيني!

وخطر لي أن أكتب إعلانًا وأنشره على مواقع التواصل الاجتماعي عنوانه: عاجل ومهم: مطلوب صديقة!

ولن ألحق بإعلاني عشرات الشروط، بل سأكتفي بكلمة «صديقة» ففيها ألف معنى ومعنى لمن يفهم ذلك المعنى!

ولكني لن أنشر إعلاني هذا، ففكرتي أيضًا غريبة مثلي وسأكتفي بها حبرًا على ورق!

ولا زلت حتى اليوم أتابع البحث…


وردَ في مقال «خواطر» في العدد 236 أنّ عدد كلمات القرءان الكريم 50 ألف كلمة ولكنّ الصواب بحسب ما ذُكِرَ في بعض كتب التفاسير أن عدد الكلمات قريب من 77 ألف كلمة..
فليُتنبَّه لذلك.