إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرة أعيننا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى كل رسول أرسله.
الصلاة والسلام عليك يا نبي الله، يا سيدي يا رسول الله، الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا حبيب الله، ضاقت حيلتنا وأنت وسيلتنا، انجدنا أغثنا يا رسول الله.
أما بعد، فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وبالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلك وباقتفاء أثر العلماء الصالحين في ما نقلوا بسندهم من العلوم إلى سيد الكونين وسيد الثقلين فأرشدوا وبينوا ونصحوا وذكروا، فطوبى لمن اقتفى ءاثارهم واقتدى بهؤلاء النجوم الأعلام. وان مما نقلوه لنا ءاداب زيارة خير الأنام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. فقد ذكر العلماء أن لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد ذكر العلماء أن لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسماء منها: المدينة وطابة وطيبة والدار. قال تعالى {ما كان لأهل المدينة} الآية. وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى سمى المدينة طابة” وسميت طابة وطيبة لخلوصها من الشرك وطهارتها منه وقيل لطيب ساكنيها لأمنهم ودعتهم. وقيل لطيب العيش فيها.
وأما تسميتها الدار فللاستقرار بها لأمنها. وأما المدينة سميت مدينة لأن الله يطاع فيها، وقد نورت برسول الله صلى الله عليه وسلم، والعلماء من حنابلة ومالكية وغيرهم قالوا إن التراب الذي ضم جسد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل عند الله من العرش، فمن دخل المدينة فليتوجه لزيارة ترتبته لزيارة قبره لزيارته صلى الله عليه وسلم فإنها من أهم القربات وأنجح المساعي.
أخي المؤمن، فإذا أتيت مسجده صلى الله عليه وسلم فاجعل القبر تلقاء وجهك، وقم مما يلي المنبر وقل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صل على محمد وعلى ءال محمد كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم اللهم اعط محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته، اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} وإني قد أتيت نبيك تائبًا مستغفرًا فاسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها أثبتها لمن أتاه في حياته. نعم، أحبابنا هذا مما ورد عن بعض العلماء فيما يقول الزائر عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم رجاء المغفرة من الله، ثم أخي الزائر تمسح بالمنبر والحنانة وهو الجذع الذي كان يخطب عليه صلى الله عليه وسلم الذي حن إليه كحنين الناقة، حن لفراق النبي، حن شوقًا للنبي الأعظم، طلع منه صوت كصوت الولد الصغير الذي فارقته أمه.
إخوة الإيمان، ولا يفوت الزائر الصلاة في الروضة المباركة فقد قال صلى الله عليه وسلم: “ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة” وهذه البقعة تنقل يوم القيامة إلى الجنة”.
واعلموا أحبابنا، أن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم كان ملاصقًا لحجرة السيدة عائشة ولما مات عليه الصلاة والسلام فيها دفن فيها، فإذا دخلت مسجده تزور قبره وتقبل حجرته كما ورد بإسناد جيد عن سيدنا بلال الحبشي رضي الله عنه أنه لما قدم من الشام لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم أتى القبر فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه. وكذلك فعلت السيدة فاطمة رضي الله عنها لما دفن رسول الله جاءت رضي الله عنها فوقفت على قبر أبيها وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينيها وبكت وانشأت تقول:
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا
وكان نفر من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا خلا لهم المسجد قاموا إلى رمانة المنبر القرعاء وهي قطعة من المنبر مدورة على شكل رمانة وهي موضع كف رسول الله فمسحوها ودعوا.
فمن دخل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليغتنم كل اوقاته في الطاعة وتتبع ءاثار النبي والصحابة الكرام، فإن العلماء الأكارم كانوا إذا دخلوها سعوا جاهدين أن ينالوا من عظيم بركاتها حتى إنهم كانوا يشربون من لبن نوق المدينة يقولون لعل هذه الناقة أكلت من عشب نبت في أرض داس عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاور قبره ومتع بصرك بالقبة الخضراء. ولا تنس زيارة البقيع فإنه يستحب أن يخرج الزائر كل يوم إلى البقيع خصوصًا يوم الجمعة ويكون ذلك بعد السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أب بكر وعمر رضي الله عنهما فإذا انتهى إلى البقيع قال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد اللهم اغفر لنا ولهم. يزور البقيع التي دفن فيها ءالاف الصحابة ومن اشهرهم عثمان بن عفان والسيدة عائشة وبعض من زوجاته عليه الصلاة والسلام كحفصة وأم سلمة ودفنت فيها أيضًا بنت رسول الله السيدة فاطمة الزهراء ودفن فيها أيضًا الحسن بن علي وزين العابدين وصفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها قبور بناته صلى الله عليه وسلم أم كلثوم ورقية وزينب قبر إبراهيم ابن رسول الله. ودفن فيها عبد الرحمن بن عوف وغيرهم من الصحابة وفيها قبر الإمام مالك بن أنس إمام المدينة رضي الله عنه، ويستحب أن يزور قبور الشهداء بأحد وأفضل وقت لزيارتهم يوم الخميس وابتداؤه سيدنا حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم ويبكر بعد صلاة الصبح بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحب استحبابًا متأكدًا أن يأتي مسجد قباء وهو في يوم السبت أولى، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة في مسجد قباء كعمرة، وهذا أول مسجد بني في المدينة المنورة، ويستحب لزائر المدينة أن يأتي بئر أريس التي روي أن النبي تفل فيها وهي عند مسجد قباء فشرب من مائها ويتوضا منه.
كما يستحب أن يأتي ما بقي من المشاهد بالمدينة وليقصد ما قدر عليه منها، وكذا يأتي الآبار التي كان رسول الله يتوضأ منها ويغتسل فيشرب ويتوضأ وهي سبع ءابار.
فالمدينة المنورة كلها بركة، أرضها بركة، هواؤها فيه بركة حتى ترابها فيه بركة، ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخذ ترابًا من تراب المدينة فجعل فيه من ريقه ووضعه على مريض وقال: “بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا نشفي سقيمنا بإذن ربنا”.
فنسأل الله أن يشفع محمدًا فينا وأن يرزقنا زيارته ومجاورته مع حسن الحال يا أرحم الراحمين يا الله.
هذا وأستغفر الله لي ولكم.