الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إنّ من الأحكام المتعلّقة بالنساء أحكام الحيض الذي تتعلّق به بعض المسائل، وهو دمٌ يخرجُ من رحم المرأة على سبيل الصحة لا بسبب الولادة ولا المرض، وقد قال رسول الله ﷺ لعائشة: «إنَّ هذا أمرٌ كتبهُ اللهُ على بناتِ آدم» رواه البخاري. وأقلُّ سنّ تحيض فيه المرأة تسع سنوات قمرية –هجرية- وأقلُّ الحيض يوم وليلة أي مقدار أربع وعشرين ساعة، سواء كان متصلًا أو متقطعًا في ظرف خمسة عشر يومًا، فلو رأت المرأة الدمَ ستة أيام كل يوم أربع ساعات ثم انقطع كانت تلك المدة كلّها حيضًا، وأكثره خمسة عشر يومًا، والحيض يمنعُ المرأة من فعل الصلاة والصيام وقراءة القرءان ومسّ المصحف وحمله والمكث في المسجد والطواف بالكعبة، ويحرمُ عليها أيضًا تمكين الزوج من الاستمتاع بما بينَ السُّرّة والركبة بلا حائل أثناء مدة الحيض، وما سوى ذلك لا يحرم، وما شاعَ على ألسِنة بعض النساء أنَّ بدنَ المرأة زمنَ الحيض يبقى نجسًا وأنها لا تضع يدها في طبيخ ونحوه لأنها تنجّسه فليس هذا من دين المسلمين بشىء!! بل هذا من أقاويل وخرافات اليهود. روى الإمام مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أنَّ اليهود إذا حاضت المرأة هجروها وأخرجوها من البيت فسأل الصحابة النّبيّ ﷺ فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾ سورة البقرة، فقال رسول الله ﷺ: «اصنعوا كلّ شىء إلّا النّكاح» أي لامسوهنّ وكلوا معهنَّ وناموا بفراشهنّ ولا تمنعوهنَّ من شىء إلا ما ذُكر في الحديث وهو الجماع، وقد ضرب النّبيّ المعلّم المثل بنفسه في ذلك للمؤمنين والمؤمنات فقد جاء في الصحيحين عن أم سَلَمة زوج رسول الله ﷺ أنها قالت: بينا أنا مع النّبيّ ﷺ مضطجعة في خميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال رسول الله ﷺ: «أنفستِ»؟ فقلتُ: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة. فانظر لفعل النّبيّ من إدخال زوجته وهي حائض في الغطاء فبعد هذا كيف يجرؤ أولئك على المنع!؟ وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت: قال لي رسول الله ﷺ: «ناوليني الخُمْرَة» وهي قطعة من القماش بقدر ما يسجد عليه الشخص، فقلت: إني حائض، فقال: «حيضَتُكِ ليست في يدكِ» معناه بدنكِ طاهر لا علاقة لحيضك بسائر البدن، وفي الصحيحين أيضًا عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنت أُرَجّلُ -أسَرّح- رأس رسول الله ﷺ وأنا حائض، أي كان النّبيّ وهو في المسجد يُدني رأسه من عائشة في حجرتها الملاصقة للمسجد فتُرَجّل له رأسه وهي حائض، ورُوي عن عائشة أيضًا أنها قالت: كان رسول الله ﷺ يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرءان. وفي هذه الأحاديث أوضح دليل على أن المرأة الحائض لها مزاولة كل الأعمال إلا ما ورد في الشرع وجوب الامتناع عنه، وفي هذه الأحاديث أيضًا بيان إكرام المرأة في الإسلام وكيف كان النّبيّ ﷺ يعامل أزواجه حتى في حالة الحيض.
وقد حرمَّ رسول الله ﷺ طلاق المرأة وهي في حالة الحيض، وفي تحريم الطلاق في الحيض حِكمٌ منها أنه لو طلّقها في الحيض لطالت عدتها فتتأذى، والطلاق في أثناء الحيض قد يكون أسهل على الزوج حيث يمتنع قربانها فيه، وفيه من العناية من حيث إنه لو انتظر إلى وقت الطهر لعله يُغيّرُ رأيه وتعودُ المودة والإلفة بينهما، إلى غير ذلك من الحِكَم.
وأما الاستحاضة فهي الدمُ الخارج من رحم المرأة لعلّة أي مرض، والاستحاضة غير الحيض ولها تفاصيل وأحكام يطول ذكرها فعلى من كانت بها هذه العلة أن تسأل أهل العلم والمعرفة عن تفاصيل أحكامها.
الـنّفـاس
النفاس دمٌ يخرج عقب الولادة بعد فراغ الرحم من الحمل، وسُمّي نفاسًا لأنه يخرج عقب نفس، وأقل النفاس لحظة وأكثرهُ ستون يومًا وإن كان الأغلب أربعين يومًا، والعبرة بوجود الدم وانقطاعه ولا عبرة بالأربعين يومًا على الدوام كما هو شائع عند بعض النسوة أنَّ المرأة لو انقطع دمها قبل الأربعين تبقى بغير صلاة ولا صيام إلى تمام الأربعين!! هذا غلطٌ وجهل بالحكم، وقد جاء في حديث البخاري ومسلم أنه ﷺ قال لفاطمة بنت أبي حبيش: «إذا أقبلت الحَيضةُ فدعي الصلاة، وإذا أدبَرت فاغتسلي وصلّي» والدمُ الخارج قبل الولادة لا يُسمى نِفاسًا بل هو دمُ علة أو جرح أو غيره فتبقى الصلاة في هذه الحالة واجبة عليها لأنَّ النفاس يكون بعد الولادة. والله تعالى أعلم وأحكم.