الحمد للّه الذي أعزّنا بالإسلام وشرح صدورنا بالإيمان وجعلنا من أُمَّةِ محمّد عليه الصلاة والسلام. نسأل الله الكريم رفقة نبيّنا في جنّات النعيم. 

ها هو شهر رمضان شهر الخير والرحمة والبركات يطل علينا كل عام، يعود ليعبق من زهور أيامه الفوّاحة شذى الأريج وعطر الليالي المباركة التي تواكب هذه الأيام الميمونة، يعود فتزيد الهمم في الطاعات وتسمو النفوس بصفاء إطلالته وإشراقته، إنه شهر الصبر والمواساة، مواساة الفقراء وأصحاب الحاجات، شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر فيه ليلةٌ هي خيرٌ عند الله من ألف شهر، شهر جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوّعًا، شهر يغتنمه الصالحون، ويتسابق بالجدّ فيه المفلحون فطوبى لمن أدرك رمضان فصَحَّ صومه وقُبِل وأُجِر بصلاته ونال ثوابًا جزيلًا على ما قدّم لآخرته من صالح الأعمال، فكم لهذا الشهر المبارك العظيم من أثر بليغٍ في تهذيب النفس وصفاء القلب، وكم لأيامه من آثار عظيمة في تعلّم الصبر، فيُذكر فيه الفقراء والمنكوبون، وتزداد فيه الصدقات والتبرعات لمصالح المسلمين.

إنه موسم خير وبرّ، موسم طاعة وأجر، كيف لا وهو خير الشهور، أجل فكما أن يوم عرفة هو أفضل أيام العام قاطبة وكما أن يوم الجمعة هو خير أيام الأسبوع لما فيه من خير وبرّ فإنّ شهر رمضان المبارك هو خير وأفضل شهور العام، وفيه ليلة القدر أفضل ليالي السنة فهنيئًا لمن جدّ واجتهد.

وبما أنّ رمضان خير الشهور فقد كان له ما له من المزايا العظيمة والفضائل الجمّة، كيف لا
وقد ورد في الحديث أنّ رسول الله ﷺ قال: «إِذا جاء رمضانُ فُتّحَتْ أبوابُ الجنّةِ وغُلّقَتْ أبوابُ النَّارِ وصُفّدَتِ الشَّيَاطِين» رواه مسلم.

وإن صوم رمضان واجب وهو أحد أعظم أمور الإسلام الخمسة. والأصل في وجوب صيام رمضان قبل الإجماع الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)سورة البقرة، وقوله ﷺ: «بُنيَ الإسلامُ على خمسٍ» وذكر منها «صوم رمضان» رواه البخاري. قال تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُسورة البقرة/185. وفي الحديث القدسي: «كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ لهُ إلا الصيام فإنهُ لي وأنا أجزي به» رواه البخاري عن أبي هريرة عن النّبيّ ﷺ. يقول بعض العلماء في تفسير هذا الحديث: الأعمال التي يعملها الإنسان عُرْضَةٌ للرياء، أمَّا الصيام إذا لم يتكلّم الشخص فهو أمرٌ يخفى على الناس وإنما يعلمه الله تعالى.

والصيام له أحكامٌ لا بد من مراعاتها وله آدابٌ وسننٌ تلحق به فمن سننه السُّحور، ووقتُ السُّحُور هو النصف الثاني منَ الليل، ورد في الحديث: «تسحَّروا فإنَّ في السُّحور بركة» رواه البخاري ومسلم.

ويستحبُّ تعجيل الفِطر وتأخير السحور إذ يقول ابن رسلان الشافعي:

وَسُنَّ مَعْ عِلْمِ الغُرُوبِ يُفطِرُ   بسرعةٍ وعكسُهُ التَّسَحُّرُ

ويقول النّبيّ ﷺ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأنبياءِ أُمِرْنَا أنْ نُعَجّلَ إفطارَنَا ونُؤَخّرَ سُحُورَنَا» رواه البيهقي.

ويقول أيضًا: «لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفِطر» رواه البخاري ومسلم.

ومن الفضائل المعتبرة في رمضان دعوة الصائمين للإفطار فقد ورد في الحديث أنَّ «مَنْ فَطَّرَ صائِمًا كانَ لهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غيرَ أنّه لا ينقُصُ مِنْ أجْرِ الصائِمِ شَيئًا» رواه الترمذي. وينبغي للصائم عند فطره أن لا ينسى فضل الدعاء لقول الرسول الأعظم ﷺ: «إنّ للصائم عند فِطره لدعوةٌ ما تُرَدّ» رواه ابن ماجه. ويُستحب للصائم أن يُفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء وذلك لِما وَرَدَ في الحديث عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إذا أفطر أحدكم فليُفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطرْ على الماء فإنه طهور» رواه  ابن ماجه.

وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «إنما الصوم جُنَّة -أي وقاية- فإذا كان أحدُكم يومًا صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شتمه أو قاتله فليقل إني صائم».

ومعنى: «ولا يجهل» أي لا يعمل العمل المذموم، أي يحفظ نفسه عن الكلام المذموم والفعل المذموم.

اللّهمّ أكرمنا بالطاعات في شهر رمضان المبارك.