قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾  سورة النجم. وقال تعالى في سورة النساء: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) صدق الله العظيم. إنها قَبَسَاتٌ نورانية وإشراقاتُ خَيْرٍ من هُدَى الطبّ النبويّ الشريف، تزيدُ المؤمن إيمانًا، وتَشْهدُ بصِدق نبيّنا محمّد ﷺ. 

يقول الله تبارك وتعالى خطابًا للسيّدة الجليلة مريم البتول أمّ نبيّ الله عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًاسورة مريم.

ويقول الرسول الأعظم ﷺ: «مَن تصبّحَ كلَّ يومٍ سبعَ تَمَرَاتٍ عَجوة، لم يضرّه في ذلك اليوم سُمّ ولا سحر» رواه البخاري.

وقال عليه الصلاة والسّلام: «مَن أكلَ سبع تمراتٍ ممّا بين لابَتَيْها حينَ يُصبحُ لم يضرَّه سمّ حتّى يُمسي» رواه مسلم.

والعجوة نوع من التمر معروف بالمدينة، ومعنى اللابة الحرة، وهي أرض فيها حجارة سود والمدينة المنورة يكتنفها لابتان.

وثمرة التمر أنواع عديدة، فهناك التمر البرني الذي هو أجود أنواع التمر وهناك تمر العجوة ويوجد غيرها من التمور.

أوصاف أكلة التمور

كان التمر ولا يزال الغذاء الرئيس لا سيما لسكان الصحراء، وخاصة في الجزيرة العربية، لذلك كان من صفاتهم ومنذ قديم الزمان أنهم كانوا أقوياء البنية طوال القامة، يتمتعون بمناعة ضد الأمراض، وكانوا أصحاب رشاقة قوية.

فوائد التمر العظيمة في الغذاء والدواء

التمر فاكهة وغذاء ودواء وحلواء، ويعترف الطب القديم والحديث بأن التمر «منجم» غني بالمعادن المختلفة وغيرها تجعل منه غذاء كاملًا بكل ما في الكلمة من معنى، يقول أحد أطباء العرب القدامى في وصف التمر: «وليس شىء مما رزقنا الله سبحانه، ولا لنا فيه عمل، أكفى من التمر، ولا أغذى وأحفظ للصحة منه، فهو وحده غذاء كاف طبيعي».

فالتمر من الفاكهة الصحراوية الممتازة فهو غني جدًّا بالمواد الغذائية الضرورية للإنسان لأنه منجم من المواد الغذائية فهو سريع الامتصاص في جسم الإنسان.

والتمر يزيل الدوخة ويقضي على التراخي وزوغان البصر وينظف الكبد ويغسل الكلى ويدر البول.

ومن فوائد التمر أنه يهدئ الأعصاب ويزيل
التوتر، ويحارب القلق والاضطراب ويفيد المصابين بفقر الدم، وهو غذاء ودواء نافع لمرضى الكبد ومفيد جدًّا للأطفال والرياضيين وللمرضعات، وهو يقاوم الأمراض الصدرية ويقوّي حجيرات الدماغ، وهو سريع في تنشيط الجسم، ودواء فعّال للسعال والبلغم، وهو مليّن نافع للأمعاء يمنع الإمساك لغناه بالألياف.

هدي النّبيّ في فطره على الرطب والتمر

روى الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه كيفية إفطار النّبيّ ﷺ من صومه، فقال: «كان رسول الله ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء». والحسوة ملء الفم مما يحسى.

إن لنا معاشر المسلمين في إفطار النّبيّ العظيم ﷺ من الصوم على الرطب أو التمر أو الماء حكمة بليغة وتدبيرًا لطيفًا، وقد شهد الطب القديم والحديث بصحة هذا، فالصوم يخلي المعدة من الغذاء فلا يجد الكبد فيها ما يجذبه ويرسله إلى القوى والأعضاء، والحلو السكر أسرع شىء وصولًا إلى الكبد وأوفقه له، ولا سيما إن كان رطبًا، فيشتد قبوله له فينتفع به، فإن لم يكن الرطب فالتمر لحلاوته وتغذيته، فإن لم يكن فحسوات الماء تطفئ لهيب المعدة وحرارة الصوم فتتنشط بعده المعدة للطعام وتأخذه.

ثم إن الصائم يستنفد في نهاره عادة معظم وقود جسده أي يستنفد السكر المكتنز في خلايا جسمه. وهبوط نسبة السكر في الدم عن حدها المعتاد هو الذي يسبب ما يشعر به الصائم من ضعف وكسل وما يسمى بزوغان في البصر، ولذا كان من المهم أن نمدّ أجسامنا بمقدار وافر من السكر عند الإفطار، لا أن نمدها بكميات كبيرة من المواد الدهنية والنشوية. فالصائم الذي أصابه الفتور والكسل والضعف في البدن والتفكير أثناء صيامه تعود إليه قواه سريعًا ويعود النشاط إلى جسمه في أقل من ساعة إذا اقتصر في إفطاره على المواد السكرية ببضع تمرات أو رطبات مع كأس ماء ولهذا النمط من الإفطار ثلاث فوائد.

الأولى: أن المعدة لا ترهق بما يقدم إليها من غذاء دسم وفير بعد أن كانت هاجعة نائمة طيلة ساعات. بل تبدأ عملها بالتدريج في هضم التمر الذي هو سريع الامتصاص في الجسم، ثم بعد نحو نصف ساعة يقدم إليها الإفطار المعتاد.

الثانية: أن تناول التمر أولًا يحدّ عادة من اندفاع الصائم فلا يقبل على مائدة الطعام ليلتهم ما عليها بعجلة دون مضغ أو تذوق.

الثالثة: أن المعدة تهضم التمر وتمتص السكر الموجود فيه خلال ساعة أو نصف ساعة، فيسير هذا السكر في الدم حاملًا الوقود إلى الدماغ والعضلات، ويجوب في أنحاء الجسم فيبعث في خلاياه النشاط، فيزول الإحساس بالتعب.

وفي الختام، وبعد أن تعرّفنا على فوائد شجرة النخيل، وبعد أن ذكرنا سنّة الرسول الأعظم ﷺ في فطره من الصوم على الرطب أو التمر أو جرعة من الماء، والتي شهد الطب الحديث والقديم بعظيم الفائدة الصحية من ذلك، نقول ما أحوجنا أن نتبع سنّة نبيّنا ﷺ عند الإفطار لننعم بالفائدة الصحية العظيمة.
متذكّرين قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)﴾ سورة النساء.