بعض ما نتمناه نحصل عليه… وأحيانًا أكثر مما نتوقع… فيفرح القلب بالعطايا ويشكر الله عزّ وجلّ على نعمه… وبعض البشر لا يحصلون على أمنياتهم… ويكون واقعهم صعبًا… ويعيشون أيامًا طويلةً من الهم والحزن والألم… 

عادل موظف بسيط في إحدى الشركات… متزوج  من ندى… عنده أربعة أطفال… كان يعيش في منزل والده… وبعد وفاة  والديه… بقي في منزل الأسرة مع زوجته وأولاده… كان يدفع لإخوته أجرة سكنه حتى لا يشعر أحد منهم أنه استأثر بورثة أبيه دونهم… وكان راتبه يكفيه وأسرته مع شىء من الاقتصاد في المعيشة…

في صبيحة أحد الأيام… خرج عادل من منزله كعادته ذاهبًا إلى عمله… كان يعبر الشارع  إلى الجهة المقابلة… وفجأة ظهرت سيارة مسرعة… صدمته ورفعته عاليًا… ثم وقع أرضًا وسط دمائه… لم تعلم زوجته بالأمر إلّا حين أخبرها الجيران… أسرعت بالخروج لترى زوجها… كان وسط بركة من الدماء… لم يكن واعيًا… حاولت التكلم معه… لكنه لم يجبها… ورحل… كان يخطّط لأشياء كثيرة… لكن فاجأه الموت… لا أحد يدري ساعة رحيله عن الدنيا… ترك عادل زوجته وأولاده الصغار دون وداع… وسار في الطريق التي سيسلكها الجميع عاجلًا أم آجلًا…

كانت أيامًا صعبةً… مرّت فيها آلام كثيرة… الأرملة لا تعمل… وأولادها صغار لا تستطيع تركهم بمفردهم… أهلها لم يرحّبوا بأن تترك صغارها عندهم كي تذهب للبحث عن عمل… والمال الذي تركه زوجها يقل مع الوقت ويكاد ينفد.. إخوة زوجها لم يقدموا لها أي مساعدة… كانت كل الأبواب مقفلة في وجهها… لا تدري ماذا تفعل وأين تتجه… صبرت كثيرًا… عانت حتى بكت خوفًا على أطفالها من الضياع… خطر لها أن تضع الأولاد في دار للأيتام… لكن حبّها لهم وخشيتها من الابتعاد عنهم كان أكبر من أن تفعل هذا… وصبرت… بدأت بالتقشف… بعض الجيران كانوا يرسلون لها القليل من الطعام لأطفالها… لكن بقيت حاجات كثيرة لا تعرف كيف تتصرّف بشأنها…

بعد حوالي السنة… زارها أحد إخوة زوجها بحجة رؤية الأطفال لكنه صدمها بطلبه… يريدون البيت… زعم أن هناك من يريد شراءه… وأن عليها أن تغادر المنزل خلال شهر…

كان الخبر كالصاعقة فوق رأسها… ماذا تفعل… أين تذهب… لجأت لأبيها… وكانت الصدمة الثانية… رضي أن تسكن عنده… أما أولادها فلا… لم يقبل باستضافتهم عنده… قال إنه كبير في السن ولا يتحمل ضجيج الأطفال… بكت كثيرًا أمامه… استنجدت بأمّها كي تقنعه… لكن لا جدوى… طلب منها أن تترك أولادها لأعمامهم يتولّون تربيتهم وهي تعود لمنزل أبيها… لم تقبل… إنهم أولادها… كيف تعيش بعيدة عنهم… لا تتحمل مجرد التفكير بهذا الأمر فكيف أن يكون واقعًا… تركت منزل أبيها… عادت لأطفالها… كانت تخاطبهم مثل الكبار… أنا معكم… لن أترككم أبدًا… سنبقى معًا حتى النهاية… واصبروا… الفرج إن شاء الله قريب… والله سيرزقنا الخير ولو بعد حين…

اقتربت مهلة الشهر من نهايتها وهي لم تجد حلًّا… أخبرتها إحدى جاراتها أن إحدى النساء في شارع قريب بحاجة لمن يسكن عندها للاعتناء بها… ولا مانع عندها من وجود الأطفال معها… وأشارت إليها أن تزورها لعلها تجد حلَّ مشكلتها عندها… فرحت ندى بالعرض كثيرًا… وتمنّت أن تقبل العجوز بالعمل عندها… كان أملها كبيرًا بأنّ الأيام الصعبة ستنتهي… وأن فرحًا قريبًا سيغمر قلبها وأن أولادها سيجدون الأمان بعد الآلام…

ذهبت ندى لزيارة العجوز في منزلها… حكت لها قصتها… ترجتها أن تقبل بها وبأولادها في منزلها…ووعدت بأن تخدمها بكل إخلاص… وأن تكون طوع أمرها… وافقت العجوز على طلبها وقالت لها إنها تستطيع العمل عندها وإنها تقبل بوجود الأولاد معها… وهكذا كان… انتقلت للسكن عند العجوز التي أحبت الأطفال كثيرًا… كانت تلاعبهم وتداعبهم وتعطيهم الهدايا والحلويات… وقالت لندى إنها حرمت من الأحفاد لأن ابنها الوحيد لم يرزق بالأطفال… وإنها تشعر بهؤلاء الصغار وكأنهم أحفادها…

سمير… ابن العجوز… كان يتردد على والدته يزورها بين الفترة والأخرى… أعجبته ندى… وجد فيها الإنسانة الطيبة الحريصة على تربية أولادها… عرض عليها الزواج… أخبرها أنه متزوج ولم يرزق بالأولاد.. وأنه سيعتني بأطفالها ويهتم بأمرهم… قال لها إنه أحبّهم ويرغب بتربيتهم… ترددت ندى كثيرًا… خافت أن تكون سببًا في مشكلات بين سمير وزوجته… لكنه قال لها إنّ زوجته إنسانة طيّبة وهي أيضًا أحبّت الأطفال كثيرًا… ربما تتضايق قليلًا… لكن الأمور ستجري على ما يرام…

وافقت ندى… بقيت في منزل العجوز كزوجة ابنها… وبقيت تعتني بها كالسابق… شكرت الله كثيرًا على نعمه… بعض الأمور تنتهي أحيانًا بشكل مفرح… وبعضها يكون مؤلمًا… لكن على الإنسان في كل أحواله أن يكون صابرًا… شاكرًا… ويحمد الله في كل لحظات حياته…