تسعى البحوث التربويّة لتطوير المناهج التعليميّة عبر إدخال تحديثات تُجاري العصر وتساعد الطالب على استيعاب المعلومات والاستفادة منها في حياته اليوميّة. لذلك إذا نظرنا في التحديثات في مناهج العلوم المصنّفة ضمن فئة العلوم الاختباريّة في الدول الغربيّة نلاحظ زيادة في حيّز النشاطات الاختباريّة، والتي تهدف إلى تحسين القدرات الإجرائيّة لدى الطالب وعدم الاقتصار على المعلومة في إطارها النظري. وقد أظهرت الدراسات أنّ الاختبارات في المرحلة الثانويّة، إن كانت موجودة، تأتي في إطار توضيح مفهوم نظري معيّن، أو تثبيت قانون… أو غيرها من الحالات التي يقوم فيها الطالب بتنفيذ مراحل محدّدة مسبقًا من قبل المدرّس، أو إجراء مشاهدات أو قياسات معيّنة والخروج باستنتاجات تكاد تكون تلقائيّة من المراحل المعدّة مسبقًا، إن لم تكن معلومة سلفًا، فلا تأتي الاختبارات إلّا تطبيقًا عليها. من هنا أتت أبحاث متعدّدة لتقترح إغناء وتنويع هذه المناهج العلميّة بحيث تترك المجال أكثر للطالب بالتأثير بالاختبارات العلميّة فانتشر في فرنسا مصطلح «اليد في العجينة» منذ نحو عشر سنوات للدلالة على إشراك الطالب «بخبز» أرغفة العلوم الاختبارية وانبثق منه مفهوم «النهج الاستقصائي» «la démarche d’investigation» الذي أصبح يشكّل في السنوات الأخيرة جزءًا مهمًّا من تعليم العلوم. فما هو هذا النهج وما هي مراحله؟

يعتمد هذا النهج على تساؤل الطالب عن الظواهر العلميّة التي يواجهها في حياته اليوميّة، وتقديمه اقتراحات وخطوات للإجابة عنها بحسب تسلسل مراحل يمكن تنفيذها بطرقٍ مختلفة. وهذا ما يميّزها عن الاختبارات التي يضعها المُدرّس ويُحدّد مسبقًا مراحلها، فلا يكون على الطالب إلّا أن يُنفّذ. وتتلخّص مراحله على الشكل الآتي:

سنقوم بشرح مختصر لكلّ واحدة من هذه المراحل.

التحفيز، مثلًا يكون عبر:

بعد تحفيز الطالب يُطلب منه صياغة الإشكاليّة عبر عرض حالة تشكّل مشكلة ينبغي حلّها، أو ظاهرة ينبغي فهمها، أو مجهول ينبغي استكشافه، أو رأي ينبغي تأييده أو نفيه بالطرق العلميّة… وهنا يكون دور المدرّس العثور على الحالة المحفّزة المناسبة ودور الطالب تحليل هذه الحالة والخلوص بصياغة الإشكاليّة منها.

ثمّ يقوم الطالب بتحديد الاستراتيجيّة التي سيتبعها للبحث عن إجابة للإشكاليّة التي طرحها. ويكون ذلك عبر تحديد:

وعندما يحدّد الطالب كلّ ذلك يكون على فهم ودراية لما يفعل والسبب وراء ذلك أنّه هو من اختاره لمسوّغات علميّة يعلمها ويضبطها مع المدرّس.

بعد ذلك يقوم الطالب بتنفيذ المشاريع التي حدّدها في المرحلة السابقة، مع فهمه لماذا يفعل ذلك إذ إنّه هو من اختاره في سياق منهج علمي مترابط.

ثمّ يقوم بـ:

ويختم عمله بتحديد:

من هنا نرى أنّ النهج الاستقصائي ليس طريقة أو استراتيجيّة مجمّدة بل هو تسلسل منطقي لمراحل ذات أنماط قد تكون مختلفة من طالبٍ لآخر، يختارها بنفسه بإشراف المدرّس فتساعده على إعطاء معنًى ونكهة خاصّة لما يتعلّمه فيتمكّن من ربطه بحياته اليوميّة والشخصيّة، ويتعلّم، بالتوازي مع المضمون العلمي، مهارة حلّ المشكلات والتي قد تفيده في حياته الاجتماعيّة.