[fsn_row][fsn_column width=”12″][fsn_text]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ للّه الذي منَّ علينا بالإسلام، وأكرمَنا بشهرِ الصيام، وحضَّنا على التقوى وأوصى، وأحاطَ بكل شىء علمًا وأحصى، والصلاةُ والسلامُ على حبيبِ ربّ العالمين سيّدِنا محمّدٍ الطاهرِ الأمين.
يقولُ الله عزَّ وجل:﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾ سورة الحج.
ويقولُ النبيُّ الأعظمُ ﷺ:«للصائمِ فرحتانِ يفرحُهما، إذا أفطرَ فرِحَ وإذا لقِيَ ربَّه فرحَ بصومِه» رواه البخاريُّ.
إنَّ رمضانَ شهرُ القرءانِ وملتقى الأهلِ والإخوانِ، وشهرُ صيامِ الصابرينَ وقيامِ الشاكرين، ورمضانُ شهرٌ نتعلَّمُ فيه محاسنَ الأفعالِ ومكارِمَ الأخلاقِ، شهرٌ لتصفيةِ القلوبِ وتنقيتِها وإصلاحِ النفوسِ وتهذيبِها.
رمضانُ قد أدبرَ وولّى ورحلَ بعد أن أضاءتْ أنوارُه أيامَنا، ولا يدري الواحدُ منّا هل يكونُ حيًّا في العامِ القابلِ، وهل يلقى هذا الشهرَ المبارَكَ أم أنَّ الموتَ سيحولُ بينه وبينَ ذلك، فطوبى لـمَن أطاعَ اللهَ في هذا الشهرِ، واغتنمَ وقتَه في الطاعاتِ وتحصيلِ الثوابِ ليومِ الـمَعاد.
طوبى لمَن أمضى أوقاتَه في الطاعاتِ على اختلافِها وتنوُّعِها مخلِصًا للّهِ ربّ العالمين.
ولقد صدقَ حبيبُنا وقائدُنا رسولُ اللهِ ﷺ حينَ قالَ عن الصيامِ إنهُ جُنَّةٌ فالصيامُ بالفعلِ وِقايةٌ للإنسانِ الصائمِ.
لقد ودَّعْنا شهرَ الصيامِ والقيامِ، شهرَ رمضانَ المباركَ، وها نحنُ في شوال فَلْنُوَطّدْ أنفسَنا ونعقِدِ العزمَ على أن نعملَ بتقوى اللهِ فنؤديَ الواجباتِ ونجتنبَ المحرماتِ في شهرِ شوال وفي كلّ شهورِ العام.
صحيحٌ أنَّ رمضانَ قد انقضى لكنَّ الخيرَ لم ينقضِ، وما أجملَ أن يُتبِعَ العبدُ الطاعةَ بالطاعةِ، والإحسانَ بالإحسانِ، والخيرَ بالخيراتِ، وما أقبحَ أن يُتْبِعَ العبدُ الطاعةَ بالمعصيةِ، والإحسانَ بالفجورِ والعِصيان.
إنَّ مَن أدّى الصلواتِ المفروضاتِ في رمضانَ قبيحٌ منه أن يَترُكَ الصلاةَ بعدَ رمضانَ، ومَن تطوَّعَ بالقيامِ فـي رمضانَ فما أجملَ أن يقومَ فـي غيرِ رمضانَ ويتهجَّدَ ويتعبَّدَ، ومن غَلَبَ نفسَه وكظَمَ غيظَه وأكثرَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ في رمضانَ حَرِيٌ به بعدَ رمضانَ أن يُداوِمَ على ذلِكَ، ومَنْ جادَ على المساكينِ في رمضانَ فلا تشحَّ يدُه بعدَه، ومَن غضَّ بصرَه في رمضانَ عن النظرِ الحرامِ فليتَّقِ اللهَ ولا يُطلقْ لعينِه العنانَ بعدَه، ومَن حفِظَ لسانَه عن الحرامِ في رمضانَ فلْيجتنِبِ الكَذِبَ والغيبةَ والكلامَ الـمُؤذِيَ بعدَه.
إنَّ الاشتغالَ بما يُرضي اللهَ ربَّ العالمين هو الأنفعُ وهو التجارةُ الرابحةُ التي لا تبورُ، فكُنْ على ذُكرٍ أنَّ مَنْ أرضى الناسَ بسخطِ اللهِ سَخِطَ اللهُ عليه، فالحذرَ الحذرَ مما يفعلُه البعضُ بعدَ رمضانَ مِنْ تركِ الصلواتِ المفروضاتِ والانجرافِ إلى المعاصي، وما أحسنَ أن يسعى المرءُ سعيًا حثيثًا فـي الإقبالِ على طاعةِ اللهِ تعالى والدارِ الآخِرَةِ، والإعراضِ عنِ الدنيا وعمَّا أكثرُ الخلقِ مشغولون به من عمارةِ الدنيا والتمتُّعِ بشهواتِها والاغترارِ بزخارِفها. يقولُ اللهُ تعالى:﴿وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)﴾ سورة ءال عمران.
وأذكركم إخواني أن تقوموا بزيارةِ أرحامِكم حتى لو كانوا لا يزورونَكم، فإنَّ هذا أمرٌ أوجبَه اللهُ تعالى وحثَّ عليه رسولُه الكريم، كما أذكركم بفريضةِ زكاةِ الفِطْرِ وبسنَّةِ صيامِ ستةِ أيامٍ من شوال، ففي صحيحِ مسلمٍ عن النبيّ ﷺ أنه قال: «مَنْ صَامَ رمضانَ ثم أتبعَه بستٍ من شوال كانَ كصيامِ الدهرِ» وتحصلُ السنَّةُ بصيامِ الأيامِ الستةِ متوالياتٍ أو متفرقات.
سارِعوا إلى الخيراتِ والطاعاتِ وتعلُّمِ علمِ الدينِ وصلةِ الأرحامِ والتمسُّكِ بالأخلاقِ الحسنةِ، وانظروا كيفَ أنَّ الأيامَ تمضي بسرعةٍ كالخيالِ، وأنَّ الدنيا إلى زوالٍ، وأنَّنا فيها عابرو سبيلٍ فالدنيا دارُ ممرّ والآخرةُ دارُ مَقَرّ فخُذوا مِن مَـمَرّكم إلى مَقَرّكم.
قالَ رسولُ اللهِ ﷺ حكاية عمّا في صحف إبراهيم عليه السّلام: «وعلى العاقلِ ما لم يكُنْ مغلوبًا على عقلِه أن تكونَ له ساعاتٌ، ساعةٌ يُناجي فيها ربَّه وساعةٌ يُحاسِبُ فيها نفسَه، وساعةٌ يتفكَّرُ فيها في صُنعِ اللهِ، وساعةٌ يخلو فيها لحاجتِه من المطعَمِ والمشرَبِ، وعلى العاقلِ أن يكونَ بصيرًا بزمانِه، مُقبلًا على شأنِه حافظًا للسانِهِ ومَن حَسَبَ كلامَه مِن عملِه قلَّ كلامُه إلا في ما يعنيه» رواه ابن حبان.
هذا الكلامُ معناهُ أنَّ العاقلَ ينبغي أن يكونَ لهُ كُلَّ يومٍ أوقاتٌ، وقتٌ يُناجي فيه ربَّهُ، ومناجاةُ اللهِ عبادتُهُ بالصلاةِ والذّكرِ ونحوِ ذلكَ، ووقتٌ يحاسبُ فيهِ نفسَهُ أي أن ينظُرَ في حالِ نفسهِ، فإن كان مُسيئًا تابَ إلى اللهِ وإن كانَ جاهلًا تعلَّمَ ما فرضَ اللهُ وإن كانَ تاركًا لبعضِ الفرائضِ عَمِلَ على أدائِها. ومَن وجدَ نفسَهُ محسنًا يثبتُ على الإحسانِ ويزيدُ. فالعاقِلُ يسعى ليكونَ يومُهُ أحسنَ مِن أمسهِ وغدُهُ أحسنَ من يومِهِ. وينبغي للعاقِلِ أن يكونَ لهُ وقتٌ في يومهِ يتفكرُ فيه في صنعِ اللهِ أي في مخلوقاتِ الله، فينظرُ في حالِ نفسهِ مثلًا كيفَ خرجَ من بطنِ أمّه لا يعلمُ شيئًا ثم كَبِرَ فعَلِمَ أشياءَ وكان ضعيفًا لا يقدِرُ على المشيِ ولا على مضغِ الطعامِ ثم قوِيَ فصارَ يمشي ثم ينتقلُ إلى الضعفِ مرةً أخرى فيتفكرُ ويقولُ كنتُ ضعيفًا ثم صِرْتُ قويًّا ثم رَجَعتُ ضعيفًا، معنى ذلكَ أنني أتغيَّرُ من حالٍ إلى حالٍ و أنني لا أستطيعُ أن أُعطِيَ نفسي قوةً ولا أستطيعُ أن أُحافِظَ على القوةِ التي أُعطيتُها فلا بُدَّ لي من خالقٍ خَلَقَني لا يُشبِهُني بأيّ وجهٍ من الوجوه، أنا جسمٌ فيهِ روحٌ وتطرأُ عليَّ صفاتٌ ولِيَ مكانٌ وجِهةٌ ولِيَ ابتداءٌ وانتهاءٌ أما الخالقُ فلا يجوزُ أن يكونَ كذلكَ، وهذا التفكرُ يُفيدُ المؤمنَ تقويةَ الإيمانِ وزيادةَ حُبّ اللهِ وغيرَ ذلكَ.
وينبغي أن يكونَ للعاقلِ وقتٌ في يومهِ لتحصيلِ الطعامِ والشرابِ ويجبُ أن يكونَ ذلك من الحلالِ لأنَّ طلبَ الرزقِ من الحرامِ حرامٌ، قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «كُلُّ جسدٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولى بهِ» رواه البيهقي، والسحتُ هو الحرام.
ثم ينبغي للعاقلِ أن يحسُبَ كلامَهُ من عَملهِ وأن لا يتكلَّمَ فيما لا يعنيهِ وأن يُكثِرَ من الصمتِ إلا من خيرٍ فإن هذا يُعينُه على تقوى اللهِ ففي الحديث: «مَنْ صَمَتَ نجا» رواه الترمذي.
فيما نحنُ نُعاني مما تُعانيه الأمةُ من اضطراباتٍ وضعفٍ لا يسعُنا إلا أن ندعوَ إلى تضامنٍ عربيٍ إسلاميٍ على مستوى الدولِ بُغيةَ معالجةِ هذا الواقعِ المريرِ والتفكرِ في سُبُلِ الخروجِ من هذه الـمِحَنِ، كما ندعو إلـى وقفةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ مع أهلِنا فـي أرضِ فلسطينَ المحتلةَ وعدمِ تركِهم وحدَهم في مواجهةِ الغطرسةِ الصهيونية. ونصرخُ عاليًا ليسمعَ الرؤساءُ والزعماءُ في الدولِ الكبرى لإيقافِ المجازرِ التي تُرتَكَبُ في فلسطينَ الصامدةِ، أوقِفوا قتلَ الأطفالِ والأبرياءِ، أوقِفوا شلالَ الدمِ المتدفقِ في فلسطينَ.
نسألُ اللهَ أن يرفَعَ البلاءَ عن إخوانِنا في فلسطينَ المحتلةِ الذينَ يُواجهونَ الإرهابَ الصهيوني الهمجي ويُصِرّونَ على المزيدِ من التعلُّقِ بالقدسِ وبترابِ فلسطينَ ورفضِهم للظلمِ والاحتلالِ والاستبدادِ الذي مضى عليه سبعون عامًا.
نسألُ اللهَ سبحانَه وتعالى أن ينصُرَ الحقَ، ونسألُه أن يوحّدَ كلمةَ الأمةِ وصفَّها على الحقِ وينصرَها على أعدائِها، وأن يُعيدَ هذا العيدَ علينا في لبنانَ وعلى بلادِنا العربيةِ وعلى الأمةِ بالخيرِ والأمنِ والأمانِ، وأن يتقبَّلَ منا أعمالَنا.
[/fsn_text][/fsn_column][/fsn_row]