الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد فقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَاسورة إبراهيم/34. 

لقد خلق الله تبارك وتعالى العباد وأنعم عليهم بنِعَم كثيرة منها نعمة السمع ونعمة البصر ونعمة الكلام والمشي وغير ذلك، فحركة اليدين نعمة، والهواء العليل نعمة، والماء المروي نعمة، والطعام نعمة، وصحة الجسم نعمة، وأعظم نِعَم الله تعالى هو الإيمان.

وقد أمر الله تبارك وتعالى عباده بأن يشكروه على نِعَمه، وذلك بأن لا يستعملوا هذه النّ‍ِعَم فيما حرّم الله تبارك وتعالى.

فعلى العبد ألّا يرتكب المعاصي بهذه النّ‍ِعَم فلا يعصي بيده ولا برجله ولا ببصره ولا بفؤاده ولا بغير ذلك من جوارحه، فالعبد مسؤول عنها يوم القيامة كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا (36)سورة الإسراء.

فالإنسان الذكي الفطن هو الذي يقنع بقضاء الله ولا يتسخط على الله تبارك وتعالى، فإذا أصابته النّعَم فهو بخير لأنه يعبد الله ويشكره على هذه النّعَم وإن أصابته ضراء يصبر، ولا يتسخط على ربّه فيكون له أجر، هذا شأن المؤمن الكامل الذي قال فيه رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن إنّ أمرَه كلَّه له خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له» رواه مسلم.

وليس الشكر الواجب أن يفرح الإنسان بالنّعَم التي ينالها ويقول إذا فرح: الحمد للّه والشكر للّه، فإنه بمجرد ذلك لا يكون عبدًا شاكرًا بل عليه أن يستعمل نِعَمَ الله في المحلّ الذي أذن فيه أي في ما أحلّ الله تبارك وتعالى. والعبد الشكور هو الذي بالغ في الشكر وتمكّن من استعمال نِعم الله في طاعة الله.

فإذًا الشكر منه ما هو واجب وهو أن يترك الإنسان استعمال النّ‍ِعَم التي أنعم الله عليه بها في معصية الله، ومنه ما هو سنّة وهو الثناء على الله باللسان الدالّ على أنه هو المتفضل على العباد بالنّ‍ِعَم التي أنعم عليهم مما لا يدخل تحت إحصائِنا.

ويُطلق الشكر شرعًا على القيام بالمكافأة لمن أسدى معروفًا من العباد بعضهم لبعض ومن هذا الباب الحديث المشهور الذي رواه الترمذي «مَنْ لم يشكُرِ الناسَ لم يشكُرِ اللهَ» أي أن كمال شكر الله يقتضي شكر الناس، وشكر الناس يكون بالمكافأة والدعاء ونحو ذلك.

والشاكر للّه لا بدّ أن يكون راضيًا عن الله، معناه أن يُسلّم للّه ويترك الاعتراض عليه، فيجب على المكلف أن لا يعترض على الله اعتقادًا أو لفظًا ظاهرًا وباطنًا في قضائه وقدره، فيرضى عن الله تبارك وتعالى في تقديره الخير والشر، والحلو والمرّ، والرضا والحزن، والراحة والألم.

وقد مدح الله تبارك وتعالى المؤمنين الذين عملوا الصالحات ورضوا عنه فقال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)سورة البينة.

فارضَ يا أخي المسلم بقضاء الله وقدره، واعلم أنّ ما كُتب لكَ أو عليكَ ستعيشه لا محالة، واركب قارب الصابرين واحتسب أجرك عند الله تبارك وتعالى…

والله تعالى أعلم وأحكم.