الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن تلاوة القرءان العظيم من أعظم أبواب الخيرات ومن أجلّ الأعمال، وقارئ القرءان ينبغي له أن يلتزم بآداب وسنن تلاوة القرءان العظيم، ومنها السجود عند قراءة بعض الآيات التي ثبت أنَّ النّبيّ ﷺ سجَد عقب تلاوتها في أغلب الأحيان وسُمّي بسجود التلاوة لأنه يكون عند تلاوة وقراءة آيات مخصوصة في القرءان العظيم.
وحكم سجود التلاوة أنه سنّة للمصلي والقارئ في غير صلاة والمستمع له أيضًا، أما المصلي فإذا وصل في قراءته إلى آية فيها سجدة، توقف عن التلاوة وسجد قائلًا: «الله أكبر» ويهوي ساجدًا سجدة واحدة، ثم يقول: الله أكبر ويعود واقفًا ويكمل القراءة، ولو كان إمامًا تبعه المأموم بالسجود معه، ومن كان في تلاوة خارج الصلاة وكان متوضئًا يُسن له أيضًا أن يقف متجهًا للقبلة وينوي ويكبّر للإحرام رافعًا يديه ثم يسجد مرة واحدة ثم يرفع ويسلّم، وهذا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.
وكذا يُسن للمستمع أن يسجد لتلاوة غيره عند سماعه آيات السجود، فمن كان يستمع لتلاوة من قارئ مباشرة وكان على وضوء يُسن له عند وصول القارئ لآية فيها سجدة أن يسجد.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أنه قال: كان رسول الله ﷺ يقرأ علينا السورة في غير الصلاة، فيسجد، ونسجدُ معه، حتى لا يجد أحدنا مكانًا لموضع جبهته.
ولو قرأ سورة فيها أكثر من سجدة سجدَ كل مرة كما في سورة «الحَجّ» مثلًا، ويشترط لسجدة التلاوة ما يشترط لسجدة الصلاة من ستر العورة والطهارة واستقبال القبلة ونحو ذلك، ومن كان على غير طهارة لا يسجد ولكن يستحب له أن يقول: «سبحان الله
والحمد للّه ولا إله إلا الله والله أكبر» أربع مرات ويكمل القراءة، ولو قرأ آية السجدة ولم يسجد لم يكن في تركه إثم، فعن زيد بن ثابت أنه قال: «قرأت على النّبيّ ﷺ سورة «النجم» فلم يَسجد فيها»، وروى البخاري عن عمر
رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة «النحل»، حتى إذا جاءَ السجدة نزَلَ، فسجدَ وسجدَ الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيّها الناس، إنّما نَمرُّ بالسجود، فمن سَجدَ فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثمَ عليه، ولم يسجد عمر رضي الله عنه، وهذا يدلّ على أنها غير واجبة بل تسن، وفي سجود التلاوة يقال من الأذكار ما يقال في الصلاة، ويُستحب أن يقول في سجوده: «سَجَدَ وجهي للذي خَلقه وصوَّرهُ وشَقَّ سَمعهُ وبصرهُ بحولِهِ وقوتهِ» ذكره النووي، وإن زاد يقول: «اللّهمَّ اكتب لي بها عندَكَ أجرًا واجعلها لي عندَكَ ذُخرًا، وضع عَني بها وِزرًا، واقبَلها مني كمَا قَبِلتَها من عَبدك داود عليه السلام»، ثم يرفع رأسه مُكبّرًا كما يرفع من سجود الصلاة، ولو رفع وكان في غير صلاة سَلمَ، وسجود التلاوة عبادة فيها من الخير الكثير فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأُمرتُ بالسجود فأبيتُ فلي النار» رواه مسلم.
وسجدات التلاوة في المصحف الشريف أربعة عشر موضعًا، أما في سورة «ص»، فهي سجدة عند أبي حنيفة ومالك كما ذكر الإمام العلامة الشيخ عبد الله الهرري في كتابه الدُّرّ النضِيد في أحكام التجويد، وهذه المواضع الأربعة عشر أشيرَ إليها في بعض نسخ المصاحف بكلمة «سجدة» أو بحرف «س» أو بوضع خط تحت الكلمة أو برسم مثل هذا «۩».
والآيات التي يُسجد عندها هي في:
1 ـ سورة الأعراف: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)﴾.
2ـ سورة الرعد: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (15)﴾.
3ـ سورة النحل: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)﴾.
4ـ سورة الإسراء: ﴿قُلْ ءامِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)﴾.
5ـ سورة مريم: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)﴾.
6ـ سورة الحج: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء (18)﴾.
7 ـ سورة الحج: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)﴾.
8ـ سورة الفرقان: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)﴾.
9ـ سورة النمل: ﴿أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)﴾.
10ـ سورة السجدة: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15)﴾.
11ـ سورة فصلت: ﴿وَمِنْ ءايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38)﴾.
12ـ سورة النجم: ﴿فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)﴾.
13ـ سورة الانشقاق: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْءانُ لا يَسْجُدُونَ (21)﴾.
14ـ سورة العلق: ﴿كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)﴾.
وما ذكر في المقال من الأحكام فعلى مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ولعل عند غيره من الأئمة اختلافًا في حكم سجود التلاوة فليتنبه لذلك.