الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. 

الله تبارك وتعالى خلق آدم أبا البشر وأول الأنبياء والرسل وكان خلقه في الجنة من غير أب ولا أم مشرّفًا مباركًا، ثم علّمه الله تعالى  أسماء الأشياء واستخداماتها ومنافعها، ليتمكّن في الأرض وينتفع بها وينفع ذرّيته غاية الانتفاع، قال الله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَآء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا ءادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)﴾ سورة البقرة، كما علّمه الله تعالى أمور المعيشة من الزراعة والحصاد وإصلاح الطعام والثياب والتنظف وغيرها من أمور المعيشة، وكان خَلقُ آدم من الطين، سوّيَ على هيئة إنسان جميل الخِلقة طويل القامة معتدل الأطراف، ثم خلق الله فيه الروح بقدرته، فإذا هو إنسانٌ من لحم ودم وعصب يتحرك ويعقل ويمشي ويتكلّم، ثم أمرَ الله ملائكته الذين كانوا في الجنة مع آدم عليه السلام أن يسجدوا لآدم سجود تكريم واحترام وتشريف لهذا المخلوق المكرّم عند الله تعالى وليس سجود عبادة لغير الله لأنَّ الله لا يأمرُ أحدًا أن يتوجّه بالعبادة إلى غيره فكان الأمر للتشريف والتكريم والتحية والاحترام، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ (29)﴾ سورة الحجر، فسجد الملائكة كلهم لآدم عليه السلام امتثالًا لأمر الله، باستثناء إبليس الذي كان من الجن فأبى أن يسجد استكبارًا وعنادًا وكان الأمرُ شَمله مع الملائكة لأنه حينها كان يعبد الله مع الملائكة فكان معنى ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ﴾ سورة البقرة/34، أي ومن معهم فشمله الأمر لكنه أبى واستكبرَ واعترضَ على أمرِ الله وكفر، ولقد سألهُ الله تعالى وهو أعلمُ به عن السبب الذي منعهُ من السجود لآدم بعد أن أمرهُ به، فاحتجَّ بأنه أفضل منه تكوينًا فهو قد خُلق من نار، وأما آدم خُلِقَ من طين، والنار في رأيه أفضل من الطين، وأبدى غاية التكبّر والاعتراض، فأخرجه الله من الجنة، ولعنه لعنةً دائمةً إلى يوم القيامة بسبب تكبّره وكفره، قال الله تعالى:
﴿فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)﴾ سورة الحجر، ومثلُ قوله تعالى في توبيخ إبليس:
﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ سورة ص/75، أي بعنايتي وحفظي، فيجوز أن يُقال المراد باليدين هنا العناية والحفظ فقوله تعالى: ﴿بِيَدَيَّ﴾ يدل على أنَّ آدم خُلِقَ مشرّفًا مُكرّمًا بخلاف إبليس، ولا يجوز أن نحمل كلمة
﴿بِيَدَيَّ﴾ على معنى الجارحة كأيدي المخلوقات، ولو كانت للّه جارحةٌ لكان مثلنا ولو كان مثلنا لما استطاع أن يخلقنا، لذلك نقول كما قال أهل التفسير: أي خلقتُه بعنايتي وبحفظي، معناه على وجه الإكرام والتعظيم له، أي على وجه الخصوصية خلق آدم أي أراد له المقام العالي والخير العظيم. فيتبيّن أنَّ الله تعالى أمرَ الملائكة الكرام أن يسجدوا تحيةً وتعظيمًا ولبيان فضل النّبيّين على الملائكة عند الله، وآدم أول البشر وأول النّبيّين وأول الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فكان هذا من السجود الجائز غير المحرم.