قد تبدو العبارة في بادئ الأمر غريبة، فالمعروف أن لون الثلج أبيض لكن صدقوني بعد قراءتكم للموضوع ستقتنعون أنكم في كل يوم تواجهون ثلجًا أسود.
لتقريب الصورة أكثر ولشرح مفصّل عن كيف نجد الثلج الأسود حولنا كل يوم، إليكم قصة افتراضية قد تكون حدثت أو قد تحدث مع أيّ شخص منّا. لنفترض أنّ فراسًا هو شخص يعمل في إحدى الشركات الكبرى وكما هو الحال في معظم الشركات فإن لفراس زملاء ورؤساء ومرؤوسين، لكن دعونا نركز على زملاء فراس في هذه القصة وعلى وجه التحديد زميلٍ واحدٍ هو أيمن.
أيمن وفراس يعملان في نفس القسم في هذه الشركة لذا فإنهما يقضيان معظم وقتهما معًا، هما يعرفان بعضهما منذ ثلاث سنين وهي فترة كافية لكسر لوح الجليد بين أي شخصين فالعلاقة بينهما تعتبر نوعًا ما صداقة أكثر من مجرد زمالة. على أي حال وبالعودة إلى قصتنا الافتراضية، أيمن يدخل كل يوم إلى المكتب يحيّي فراسًا ويبادر بنفسه إلى آلة صنع القهوة لعمل فنجانين من شراب البنّ الساخن لبدء نهار جديد مع زميله/صديقه فراس. يبدأ النهار ومن الطبيعي أن يتبادل الصديقان أطراف الحديث أثناء تأدية مهامهم، فيبدأ أيمن بالسؤال عن أحوال صديقه العزيز فراس وكيف كانت عطلة نهاية الأسبوع معه، وكيف حال الأهل والأولاد، مظهرًا الاهتمام في كل أسئلته. ثم يبدأ أيمن بعرض مساعدته على فراس لإنهاء المهام الموكلة إليه في الوقت المحدد ويمضي كثيرًا من الوقت على مكتب فراس مظهرًا المساعدة والاهتمام. إلى هنا يبدو أيمن الزميل الطيب الحنون الشهم الذي يمضي وقته في مساعدة زميله/صديقه. لكن ما لا يعرفه فراس عن أيمن أنه يمضي فترة بعد الظهر بأكملها في مكتب مديرهما المباشر يطعن بزميله/صديقه فراس ويخبر المدير أن فراسًا لا يتركه يعمل على إنجاز مهامه لأنه لا ينهي مهامه ويطلب مساعدته باستمرار. ما لا يعرفه فراس أن أيمن يقوم بتخزين معلومات فراس الشخصية في دماغه من خلال حديثهما الصباحي ثم يفرغ هذه المعلومات بين كل الزملاء والأقسام في الشركة، ما لا يعرفه فراس عن أيمن أنّ أيمن هو ثلج أسود.
نواجه الكثير من أصحاب الوجهين في حياتنا اليومية، قد نعلم في بعض الأحيان بوجودهم لكن في كثير من الأحيان لا نعلم بوجودهم إلا بعد أن يُلحقوا بنا ضررًا كبيرًا سواء في حياتنا الشخصية أو في حياتنا العملية.
إن من شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه كما ذكر سيّدنا محمّد ﷺ، بالإضافة إلى كون هذا النوع من الناس آفة على المجتمع فإن الشرع قد ذمّ هذا النوع من الناس. والضرر الذي قد يُلحقه هذا الشخص بالناس قد يتعدى مجرد نشر العداوة بين الناس أو مشكلات وظيفيةـ للأسف فإن ضرر هؤلاء قد يصل إلى حد الأذى الجسدي، وفي بعض الأحيان إلى حد الموت أو القتل.
ثلج أسود؟ نعم هم يُشبهون الثلج عندما يكونون معنا فحديثهم عذب وهو بارد على قلوبنا كبرودة الثلج وقلوبهم كما نراها بحسب الظاهر بيضاء كالثلج، لكن في حال غيابنا تنتفض قلوبهم من الداخل لتقلب البياض سوادًا وتحول البرودة إلى لهيب أسود..
إنه مرض من أمراض القلوب الذي يعاني منه بعض الناس حولنا.
سلّمنا الله وإياكم من الثلوج السوداء التي حولنا، والسلام.