حين يقترب العيد، ينشغل أكثر الناس بالتهيئة له بشراء الألبسة الجديدة للأطفال وأصناف الطعام والحلويات التي سينشغلون بإعدادها أو تقديمها يوم العيد وما يليه. ينصب كل اهتمامنا على صغارنا، أحذيتهم وملابسهم والتسريحة الجديدة الجميلة المرتبة والإكسسوارات، ونسعى لرسم البسمة على وجوههم قدر استطاعتنا.
صورة جميلة رائعة أتطلّع للتفرّج عليها في كل عيد، وأنظر إلى الصغار بحللهم البهيّة بحبّ وفرح وتفكير بما قدّم ذاك الأب وتلك الأم لتبلغ الغبطة في العيد ذروتها عند صغارهم. أليس العيد فرحة الصغار التي تثلج قلوب الكبار؟
قد ينشغل بعض الموفّقين منّا أيضًا بشراء الهدايا لأهاليهم ليفرحوا قلوبهم بجديد في العيد علاوة على الزيارة والاجتماع على الطعام. فيا حبّذا لو نكثر من هذه الخصلة الجميلة لأن حقيقة الأمر أنّ الكثير منا لا يعمل بذلك. حين كنت صغيرة وكنت أذهب إلى العمل الكشفي الذي تربّيت وإخوتي عليه بعد أن كانت أمي رائدة فيه، كنّا نبدأ يوم العيد كل عيد بزيارة لدار العجزة الإسلامية، حيث يعيش كثير من الأهالي الذين تخلّى عنهم فلذات أكبادهم، فينتظرون العيد لتقرّ أعينهم برؤية أبنائهم، ويمرّ عيد بعده عيد ولا تفرح قلوبهم فيه بزيارة ولا هدية. يستيقظون على أمل ويمسون على خيبة. يلبسون جميل الثياب المهترئة ويتعطرون، ويجلسون ينظرون إلى ساعاتهم مترقبين، إلى أن يمرّ النهار كغيره في إهمال وتناسٍ وآمال محطمة. يتركون حصّتهم من الحلويات التي قدّمها لهم المركز قبل العيد ليشاركوها مع أحفاد لهم لا يعرفونهم، ويغطّونها بقطعة قماش أو منديل يخبئونها لشفاه أحبتهم. قد تنحصر آمال أحدهم أحيانًا برؤية ابن له أو حفيد قبل مماته، فهل نبخل عليهم بتلك الفرحة يوم العيد أيضًا؟
كنا نذهب وزملائي ومن يرافقنا، نسلّم على كبارنا ونبتسم في وجوههم، ونوزع عليهم شيئًا من الحلوى ليفرحوا بها يوم العيد، منهم من يأكلها ومنهم من لم يفقد الأمل بعد، فيضعها في صرّة حلوى الأحفاد التي سيتبيّن له لاحقًا أنهم لن يأكلوها. نستمع إلى قصصهم ونستشف حرقة قلوبهم من أصواتهم، نرى دموعهم تسيل على من أفنوا أجسادهم في تربيتهم ولكنهم تركوهم في كبرهم وحيدين دون من يحنو على تلك اليد التي ضعفت من خدمتهم، ولا من يطبع قُبلة على جبينٍ لطالما تعرّق لتلبية احتياجاتهم. كانوا يسكنون إلينا وينتظروننا ويرون فينا من أحبّوا رؤيته ولكنه خذلهم، ومنهم من ينتظر منا أشخاصًا معيّنين من عيد إلى آخر لشبههم بابن أو ابنة لهم كما يذكرونهم في صغرهم.
تنتهي زيارتنا بعد ساعتين أو ثلاثة، نرجع إلى أهالينا ليبدأ عيدنا بفرح وثياب جديدة، ولكن من يسلّ من قلوبنا ذكرى تلك الدموع المحرقة، وغصّة ذاك الشيخ الوحيد الذي ربّى من الأبناء تسعة ووجد نفسه ينتظر الموت وحده؟ كيف ننسى من اشتكى البرد، فخلعنا قفّازاتنا ومناديلنا الدافئة لنتركها معه وأصدقائه عساها تدفئهم، فيضحك في ألم معلنًا أن برودة القلب لا تنفع معها ثياب الشتاء؟
في أعيادنا، دعونا نتذكر كبارنا ونُفرح قلوبهم. استمعوا إليهم واقضوا معهم وقتًا يشعرون فيه بأنكم تستمتعون معهم. اصبروا على ما قد يبدر من بعضهم من نسيان أو قلّة صبر أو نحو ذلك مما قد يزعجكم، وراقبوا في أطفالكم كم يحتاج الصغير من عناية ليكبر متذكرين أنكم كنتم يومًا صغارهم. قال رسول الله ﷺ: «ليس منّا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا» رواه الترمذي، صدق رسول الله ﷺ.