بعض الذكريات تبقى في البال لا تفارقه بسهولة… تمرّ الأيام ولا ننساها… ونتمنى أن نعيشها مرات أخرى… 

إنما هي أمنيات… لا يتحقق أكثرها… لكن تبقى في البال… لا تغادره… نبحث عمّن رافقنا فيها… ننظر إليه بحب وأمل… ونتمنى أن تمرّ الأيام الباقية بنفس حلاوة ما مضى… لكن… الأحلام تبقى أحلامًا… والأمنيات تكون أحيانًا كالسراب تضيع مع غياب الشمس…

ليلى… أم لثلاثة أطفال.. كبيرهم في التاسعة من عمره… تعمل ممرضة في إحدى المستشفيات… زوجها عصام يكبرها بحوالي عشرين سنة… يعمل في إحدى الشركات المعروفة… راتبه جيد… يعيش مع أسرته في شقة فخمة… يساعد إخوته في نفقاتهم… رغم بعض المشكلات التي تمرّ في بعض أيامه… لكنه يحاول دائمًا أن يتجاوز كل همومه لتكون حياته وأسرته على خير ما يرام…

في أحد الأيام… وبينما كان عصام في مكتبه… أصيب بضيق في صدره ولم يعد يستطيع أن يتنفس بشكل جيد… سارع أحد رفاقه بأخذه للمستشفى… فقد وعيه في الطريق… سارعوا لإسعافه… وعند وصوله للمستشفى أدخلوه فورًا إلى غرفة الطوارئ… أرسلوا بطلب زوجته… وبعد معاينته اكتشفوا أنه بحاجة لعملية مستعجلة في القلب… ذهلت ليلى مما ترى أمامها…لم تكن تتوقع كل ما يحصل… أمسكت بيد زوجها تشجعه وتهون عليه الأمر… قالت له لا تخف… ستخرج من العملية بحالة أفضل… وستكون الأيام القادمة أجمل إن شاء الله…

انتهت العملية بنجاح… وبعد عدة أيام… خرج عصام من المستشفى… عاد إلى بيته… لكنه كان متعبًا يفكر ماذا سيحل بأولاده إن رحل عن الدنيا… كان يخشى أن تتزوج ليلى من بعده من يُسيء تربية أطفاله… وكانت تدور في رأسه أفكار كثيرة… وبدأت الشكوك تكبر في رأسه… صار يلاحق زوجته أكثر ويغار عليها… طلب منها ترك العمل والبقاء بجانبه… كان يبحث في هاتفها عن محادثاتها مع زميلاتها… كانت ليلى تتحمّل كل هذا بصبر وتقدّر ظرف زوجها الصحي… تحمّلت كثيرًا شكوكه وظنونه رجاء أن يتحسّن وضعه مع الأيام…

عندما تقل الثقة بين الزوجين… تبدأ الهموم وتكثر… بعض الشك قد يكون مبنيًّا على الوهم… لا أساس له… لكنه يخرب العقول والقلوب… ويقلب الحياة الزوجية إلى عذاب متواصل… وتكون النتيجة آلامًا كثيرة لكل الأسرة… وخاصة للأطفال الذين يرون أمامهم شجار أهلهم… فيصابون بالخوف على أهلهم من أن يصيبهم أي مكروه… وتراهم يبكون في الزوايا لا يعرفون ماذا يفعلون…

ازدادت شدة المرض على عصام… ولم يكن يريد إن مات أن ترثه زوجته… فسارع إلى تسجيل كل أملاكه باسم أخيه سمير… حتى البيت الذي يسكنه مع زوجته… أخبر عصام زوجته بما فعل… وقال لها: «إن أنا مت تزوّجي من أخي وابقي في المنزل… وإن رفضته تغادري المنزل دون أي شىء»… لم تصدق ليلى ما سمعته… ماذا حلّ بزوجها… إلى أيّ حدّ وصلت به الغيرة… ماذا سيحلّ بأطفالها… لقد تركت عملها لأجله… والآن يريد أن يرميها في الشارع… لم تكن تتحمّل مجرد فكرة الزواج من سمير… كان رجلًا سيّئ الخُلُق… لا يحسن التصرف مع والديه فكيف مع زوجة وأم لأطفال… ولم يطل الأمر… مات عصام… وانقضت العدة… وجاء سمير ليخطبها… احتارت ماذا تفعل… لم تكن تطيق النظر إلى وجهه… رفضته… وكان ما توقعته… طلب منها مغادرة المنزل دون أولادها… كادت تفقد عقلها… أن تغادر المنزل ليست المصيبة الكبرى… لكن أن لا ترى أولادها فهذا فوق طاقة تحمّلها… طلبت منه مهلة أيام حتى تجد عملًا وسكنًا… قَبِلَ معها على مضض… وكانت تخطط لأمر تمنّت أن يتم كما تريد…

بعد يومين… غادرت منزلها عند الفجر مع أولادها… وسافرت إلى قرية في بلد مجاور حيث تسكن صديقة لها تعرفها من أيام الجامعة… خرجت دون شىء… كان همّها أن لا تفقد أطفالها… وإن فقدت المال والمنزل…

وجدت ليلى عملًا في أحد المستشفيات القريبة… ساعدتها زميلتها وأهلها كثيرًا حتى تعوّدت على جوّ القرية والعمل فيها… ومع الأيام نسيت مأساتها… خسرت الكثير لكنها لم تحرم من أولادها… وكانت على ثقة أن سميرًا لا يهمه أمرها ولا أمر أولادها… كل همّه كان الحفاظ على المال… وقد حصل عليه…

تمرّ على الإنسان مصائب كثيرة… إن صبر وشكر الله على كل حال يفوز بالراحة في الدنيا والآخرة… وإن لم يصبر… لن يتغيّر واقعه إلى أفضل… بل سيعيش الهمّ دون فائدة… والسعادة تكون لمن يصبر ويشكر ويحمد الله على كل حال…