الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والصلاة والسلام على النبي الأمي وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
أما بعد، فإن الشريعة ندبتنا إلى مكارم الأخلاق والتواد والتراحم وصلة الأرحام وبر الوالدين ومواساة المحزونين وتفريج كرب المكروبين، فصلة الرحم فرض على كل مكلف بحدود الاستطاعة الشرعية، وقطع الرحم من غير عذر كبيرة من كبائر الذنوب، وفي ذلك تفريط خَطِر يهدد بنيان المجتمع لما فيه من تقطيع الأواصر وإقامة بنيان التدابر والتشاحن بين عباد الله، وما ذلك إلا مقدمة لتدمير المجتمع وضرب عراه.
ومن هنا يقول عليه الصلاة والسلام: “ليسَ الواصِلُ بالمكافِئ ولكن الواصلُ الذي إذا قطَعَت رحمُهُ وصلَهَا” رواه البخاري. والمعنى ليس الذي يصل رحمه التي تصله كالذي يصل رحمه التي تقطعُهُ ولا تصله، فهذا الأخير له ثواب عظيم. يقول: أصل رحمي وقرابتي ولو لم يصلني، وأزوره لله تعالى وإن لم يزرني وأعينه في حاجاته وأواسيه في أحزانه وإن لم يفعل معي مثل ذلك. فأما الذي يضبط الزيارات بزيارات مقابلة على قاعدة واحدة بواحدة من غير مراعاة طلب الأجر من الله في عمله فهذا لا ثواب له ألبتة لأنه يرجو بزيارته الزيارة ولا يرجو ثواب الله تعالى.
ومن هنا فقد تقطعت الأرحام حتى بين الوالد والولد والأم وابنتها والأخ وأخيه وذلك لأتفه الأسباب، لأسباب دنيوية بحتة وليس لسبب شرعي، والسبب الشرعي كأن يهجر الشخص قرابته لإصراره على الكبائر والمفاسد. ومَن مِن الناس اليوم يهجر قرابته لردعه عن مفاسده إذا تعين ذلك الهجر لردعه إلا من رحم ربي؟؟
فمن فعل ذلك فلا بد أن يخبره أنه يهجره لينزجر عن فعله، وإلا سيقول ذلك القريب: إن فلانًا المتديّن يهجرني ولا أدري ما السبب! لذا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث من غير سبب شرعي.
وصلة الأرحام تكون بحيث لا يشعر القريب بالوحشة وذلك بأن يتفقده في نحو العيدين والأفراح والأتراح ولو أن يتصل به بالهاتف إن كان يشق عليه السفر إليه أو أن يرسل له الرسائل أو السلام. والأرحام هم الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب.
ومن أهم الصِّلات تلك التي يقوم بها المرء بر الوالدين، فبِرُّ الوالدين من الواجبات وعقوقهما من الكبائر، وقد فرّط الكثير الكثير من الأبناء في حقوق الأمهات والآباء.
وقد حث الرسول عليه الصلاة والسلام على بر من كان وُدًّا لأبيه، أي أصحاب الوالد والوالدة فهذا كذلك من البر. والرسول عليه الصلاة والسلام كان يكرم صاحبات خديجة زوجته عليه الصلاة والسلام بعد وفاتها.
وورد أن ابن عمر رأى أعرابيًا فنزل عن دابته وسلم عليه وأكرمه وأعطاه جبته ودابته فقيل له: إنه كان يرضى بأقل من ذلك، فقال لهم: إنه كان وُدًا لعمر أي كان صديقًا لأبيه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من سرَّه أن يُبْسَطَ عليه رزقه أو يُنْسَأ في أثره فليصل رحمه” رواه مسلم. ومعنى البسط في رزقه البركة فيه، لأن صلته أقاربه صدقة والصدقة تربي المال وتزيد فيه، فينمو بها المال ويزكو. ومعنى “أو ينسأ في أثره” أي يبقى ذكره الطيب وثناؤه الجميل مذكورًا على الألسنة.
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا حسن الاقتداء برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.