اعلم أن الغضب كشعلةٍ من نار إما أن يحرق صاحبه وإما أن يسيطر صاحبه عليه قبل اندلاع النيران. فإن الإنسان إذا غضب سواء كان غضبه لأمرٍ ديني أم دنيوي عليه أن يتصرف في الحالين على النحو الذي يُرضي الله تبارك وتعالى فلا يظلم ولا يكفر ولا يعصي الله تعالى. 

وإن أسباب الغضب كثيرة فمن ابتعد عن الدين وانغمس في أمور الدنيا غالبًا ما تسيطر عليه الكثير من الأوصاف المذمومة، ومن غلبت عليه تلك الأوصاف لا يهون عليه في كثير من الأحيان مخالفة هواه ومحاربة الشيطان، فمن الناس من يقع في الكفر عند الغضب، ومنهم من يقع في المعاصي الكبيرة وغيرها.

ومن الأوصاف المذمومة التي تسيطر على قلب الإنسان وتقسي قلبه وتذهب منه اللين والرفق وتقوي الفوران والغضب: العُجْب وهو أن يشهد العبد عبادته ومحاسن أعماله صادرة من نفسه فيرى ذلك مزيّة لنفسه غائبًا عن شهود أنها نعمة من الله امتنّ الله بها عليه.

وكذلك الغدر وشدة الحرص على فضول المال والجاه وكذلك التكبر على عباد الله والحقد وسوء الظن بعباد الله وغيرها.

فينبغي للشخص أن يقابل كل واحدة من هذه الأوصاف الذميمة بما يضادها فينظر كل شخصٍ وجد من نفسه هذه العلل أو غيرها إلى العلاج فإن وجد الشخص نفسه سريع الغضب فليسأل نفسه ما الذي يجعلني سريع الغضب؟ ممَّ يشكو قلبي ليكون هكذا؟!..
وكذلك إن وجد في قلبه العجب أو التكبّر أو الحسد أو الحرص فليتذكّر أن الله تعالى قد أنعم عليه بنعم كثيرة لا تُحصى وأعظمها نعمة الإسلام وكفى بها من نعمة. ولينظر الإنسان إلى من هو دونه في أمور الدنيا وإلى من هو أعلى منه في أمور الآخرة مستحضرًا الاقتداء بالنبيّ ﷺ في قوله: «انظروا إلى مَن هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكُم فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ اللهِ عليكم» رواه مسلم في صحيحه.

وتذكّر قول سيّدنا علي رضي الله عنه: «ارتحلت الدنيا وهي مدبرة، وارتحلت الآخرة وهي مُقبِلَة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، اليوم العمل ولا حساب وغدًا الحساب ولا عمل». ومعنى قوله: «ارتحلت الدنيا» أي سارت الدنيا ومعنى «مدبرة» أي الدنيا سائرة إلى الانقطاع، والآخرة سارت مقبلَة، فالدنيا دار العمل والآخرة دار الجزاء على العمل، دار الحساب وليست دار العمل. فإن هذه الدنيا فانية ومن عليها فَانٍ وهي قصيرة وأوقاتها ثمينة غالية فلا يضيّعها الإنسان في التفكر في ما عند الناس وفي الغضب لأتفه الأسباب إنما يشغل فكره بالطرق التي توصله إلى كسب الحسنات ويجعل هذا همّه في كل لحظة من اللحظات. فمن اتبع هذا الطريق وإن غضب يقول: أنا هدفي الآخرة وفي غضبي هذا أستطيع كسب الثواب بأن أكظم غيظي وأصبر للّه تعالى وأن لا أفعل إلا ما يرضيه، ومما يساعد على الصبر عند الغضب التفكّر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو كقوله عليه الصلاة والسلام: «من كظمَ غيظَه وهو يقدِر ُعلى أن ينتصرَ دعاهُ اللهُ تبارك وتعالى على رُؤوس الخلائقِ حتى يُخيّرَه في حورِ العين أيّتهن شاءَ» رواه الإمام أحمد. وقال رسول الله ﷺ: «مَنْ أُعطي فشكر، وابتُلي فصبر، وظلم فاستغفر، وظُلِم فغفر» ثُمَّ سَكَتَ، فقالوا: يا رسول الله، مَا لَهُ؟ قال: «أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» رواه الطبراني، أي يكون له في يوم القيامة بروز لفضله.

وقد قال رسول الله ﷺ: «كُن عبدَ اللهِ المظلوم ولا تكن عبدَ اللهِ الظالم» رواه الحافظ السخاوي. وليتذكر قوله عليه الصلاة والسلام للأشج: «إن فيك لخصلتين يُحبّهما الله الحِلْمُ والأناة» رواه مسلم، ومعنى الحلم والأناة أي الصبر والتروّي.

وعلى العاقل أن يخوّف نفسه من عقاب الله تعالى كأن يقول قدرة الله عليّ أعظم من قدرتي على فلان، وأن يحذّر نفسه عاقبة العداوة والانتقام وقدرة العدو على هدم أعراضه والشماتة بمصائبه فإنّ الإنسان لا يخلو من المصائب. ومن كثر غضبه يضعف قُرب الناس منه غالبًا ومن كان كذلك قلّت منفعته للناس. واعلم يا أخي المسلم أن من الأسباب التي تدعو للانتقام أن يوسوس له الشيطان فيقول له: إن صبرت سيظن الناس أنك عاجز وذليل ومهان وتصير صغير النفس في أعينهم، فليقل لنفسه تخافين من نظرة الناس إليك الآن ولا تأنفين من خِزْيِ يوم القيامة والافتضاح!

ومما يساعد على الصبر عند الغضب الوضوء والسكوت والتعوّذ من الشيطان وتغيير الحال فإن كان قائمًا جلس وإن كان جالسًا اضطجع. ولا تنسَ يا أخي المسلم أنّ النّبيّ ﷺ قد أوصى بترك الغضب مرارًا فقال: «لا تَغْضَبْ» رواه البخاري، وأنّ النّبيّ ﷺ قال: «أهلُ الجنة كلُّ هَيّنٍ لَيّنٍ» رواه الطبراني، وأن الشخص إذا ابتغى بصبره مرضاة الله وحده كان الصبر له راحة في دنياه وأخراه وكان له أجرٌ عظيمٌ.