ألا تعجب من أنه قد مرّ على وفاة النّبيّ ﷺ ما يقارب 1430 سنة هجرية وما زالت أحاديثه تُشنّفُ مسامعنا! ألا تعجب من عدد الرواة الذين رووا هذه الأحاديث خلال العصور التي مضت لتصل إلى عصرنا هذا! ألا تعجب كم تعب العلماء ليدرسوا أحوال كل هؤلاء الرواة ليُوصلوا إلينا ولمن بعدنا مدى صحّة الحديث أو حُسنه أو ضعفه، وهل يُعمل به أو لا!  نعم نحن أمّة قد أكرمها الله تعالى وأنعم عليها بنِعَم عظيمة ومن أعظمها اتصال السند إلى النّبيّ ﷺ، فلماذا ينشر بعضهم عبر حساباتهم الإلكترونية أقوالًا اشتَهَرَت عن لسان الكفار أو الفسّاق لتناسب حالات الضيق التي يمرّون بها أو لتناسب أمرًا حصل معهم خلال نهارهم في العمل مع مديرهم أو زميلهم أو غير ذلك مريدين أن تحصد عددًا كبيرًا من علامات الإعجاب، وقد لفت انتباهي في الآونة الأخيرة انتشار قول بعضهم: «إن تغيّرت معاملتي معك فاعلم أنك أنتَ مَن تغيَّر…» فإن تأمّلت هذه العبارة ثم قستها على ميزان الشرع هل تجد أن هذا ما علّمنا إياه النّبيّ وأوصانا به؟! هل هذه كانت أفعاله مع من أساء إليه وهو أفضل الخلق؟! أو علّمنا أن نحسن لمن أساء إلينا وأن ندفع بالتي هي أحسن وأن نحسن الظن إذا رأينا تغيُّرًا من قِبَل الآخرين معنا ونلتمس لهم الأعذار؟؟ وأن نتّهم أنفسنا فلعلنا نحن مَن أساء.

فما بال قلبك؟! هل غرق في حبّ الملذات إلى أن أصبح مُسودًّا! هل هو ضعيف لدرجة أن يتأثّر بمن حوله وإن كانوا على غير الصواب! هل شدة ضعفه أوصلته إلى أن يسعد بعلامة إعجاب على كلامٍ في كثير من الأحيان يكون تافهًا. أليس أنت نفسك من تفتخر بانتمائك للنّبيّ الأعظم ﷺ؟! أليس أنت مَن تقول: لمحمّد أنا أنتمي؟! أليس أنت مَن يقول: قدوتي محمّد؟!

فلتبحث وتتعلّم وتسعَ لتلقّي أقواله ﷺ وأفعاله وكسب الحسنات في نشرها، وإن سمعتَ أحاديثه وعرفت أفعاله مع زوجاته وصحابته وآل بيته لم تحتج إلى أقوال السفهاء من فلاسفة وغيرهم لترتاح من همّك ولتوجّه رسالة من خلالهم إلى من آذاك أو تغيّر معك… بل يرقّ قلبك إن كان به قسوة ويسعد إن غَلَبَهُ الحزن ويشفى إن حاوطته السقام إن شاء الله تعالى، وتعلّمت من أفعاله ﷺ كيفية التعامل مع أزماتك وسَهُل عليك التواضع مع من آذاك والتطاوع مع من استعلى عليك وحَسُن خُلُقُك، فمن سمع سيرة أفضل الناس كيف كان يُعامَل ويعامِل الناس، كثيرًا ما شعر بأنه يحتاج إلى كسر نفسه لا بل ومحاربتها حتى يستطيع الاقتداء به ﷺ…

فقد روى ابن سعد أن النّبيّ ﷺ قال: «كنت بين شرّ جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى فيطرحونه على بابي» أي أنه كان يتحمّل أذاهما مع أنه كان أشجع خلق الله على الإطلاق وكان أوتي من القوة البدنية قوة أربعين رجلًا ومع كل ذلك كان خُلُقه العفو والصفح، فانظر إلى أفضل الخلق كم كان متواضعًا وكم كان صبورًا وكم كان خُلُقه حسنًا! فلو فعل معك جيرانك هذا الفعل ماذا كنت تفعل؟! اقتدِ بالنّبيّ الأعظم ﷺ فمن اقتدى به ﷺ وسعى لأن ينشر كلامه وأفعاله ونوى بذلك نية حسنة كان هو الفائز وكان له شأن بين الناس وميزة واحترمه الآخرون وسمعوا له، فلا يهمنّك كثرة علامات الإعجاب بل ليكن همّك نشر دين الله وإخلاص العمل وأحبب للآخرين ما تحبّه لنفسك من الخير أحبب لهم أن يتعلّموا ما ورد عن النّبيّ ﷺ لا ما ورد عن السفهاء، فأين الثرى من الثريا! ولا تُجارِ الآخرين وتذهب بنفسك إلى طرق الهلاك بل كن أنت المُجَارَى والمنقذ لغيرك منها.

لا تكن ضعيف النفس تأخذك الرياح أينما اتّجهت بل كن قويًّا واثقًا بأنك على حق ولا تستوحش الطريق لقلة السالكين ولا يغرنّك كثرة الهالكين.