عندما ترزق بمولود، قليل من الناس يدعون له بالصلاح وأن يكون بارًّا بوالديه وكثير من الناس لا يعملون على هذا، لا يعملون على أن يُنشئوا أولادهم النشأة الحسنة فبدل أن يزرعوا في قلوبهم محبّة الله ومحبّة القرءان والأذان يزرعون في قلوبهم محبّة الاستماع إلى ما حرّم الله ومحبّة التفاخر بين الناس ويتكلّمون أمامهم على عورات الناس ويفعلون أمامهم أفعال الفسّاق.
اعلم أخي المسلم أن الصبي أمانة عند والديه وقلبه جوهرة ساذجة وهي قابلة لكل نقش فإن عُوّد الخير نشأ عليه وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه وإن عوّد الشر نشأ عليه وكان الوزر في عنق مَن عوّده عليه.
فينبغي لك أن تراقب ولدك من أول عمره فلا يكن رضاعه وحضانته إلا من امرأة صالحة متديّنة تأكل الحلال فإن اللبن الحاصل من الحرام لا بركة فيه، واعمل على أن لا تُسمعه ما حرّم الله وإن كان صغيرًا غير مميّز، إنما عوّده سماع ذكر الله وكلامه فإن التعوّد على سماع الحرام يؤثّر في القلب. توضأ أمامه وضوءًا كاملًا وصلّ أمامه بتأنٍ وخشوع، وتقلَّد أمامه بأفعال الصالحين وبما كان عليه رسول الله ﷺ وأخبره قصص الصالحين لينغرس في قلبه حبّهم ولا تشغله بما قاله فلان وفعله فلان مما لا خير فيه.
بل قل له: قال رسول الله ﷺ كذا وكان النّبيّ ﷺ يفعل كذا واذكر له تلك الأقوال والأفعال خلال المواقف التي تحصل معكما في أيامكما، فإن رأيت فقيرًا تصدَّقْ عليه وقلْ له: قال النبيّ ﷺ: «اتَّقُوا النارَ وَلَوْ بشِقّ تمرةٍ» رواه البخاري. وإن جاءك ضيف قل له: كان النّبيّ ﷺ يكرم ضيفه حيث روى البخاري أن النّبيّ ﷺ قال: «من كان يؤمنُ باللّهِ واليومِ الآخرِ فليُكرم ضيفَه»، وعلّم طفلك أهمية زيارة الأرحام وقم بزيارتهم واصطحبه معك وأسمعه أن النّبيّ ﷺ قال: «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليَصِل رحمَه» رواه البخاري.
وإذا لبس في رجله فليبدأ باليمنى وقل له إن النبيّ ﷺ قال: «إذا انْتَعَلَ أحدُكُم فليَبْدَأْ باليَمِينِ» رواه البخاري. وعلّمه غير ذلك من الآداب الإسلامية كآداب الأكل، فعوّده أن يجلس على الهيئة التي كان يجلس عليها رسول الله ﷺ عند الأكل، وعوّده أكلَ الخبز وحده في بعض الأوقات لئلّا يألف الإدام وقبّح عنده كثرة الأكل وحبّب إليه الثياب البيض.
ولا تقل أنا لا أريد أن أحرم ابني شيئًا، ولا تعوّده الحصول على كل ما يريد لأنك بذلك لا تفتح له طرق الخير إنما تصعّب عليه عيشته لأنه سيعتاد الرفاهية وحبّ الدنيا وإن ضاقت به الأحوال يومًا قد يلجأ إلى الحرام بدل أن يلجأ إلى الله تعالى.
فالوالد الفطن الذكي لا يعوّد ابنه الراحات وكثرة التنعم، إنما يعمل على تعويده الصبر وقلة التنعم مع التلطّف به والمعاملة الحسنة، فأحد المشتغلين بعلم الحديث ذكر أنّ أباه كان إذا أخذه إلى مجلس الحديث يحمّله حجرين فيمشي معه وهو حامل لهما فإذا تعب قال له: اترك حجرًا، فإذا ترك حجرًا وبقي حاملًا الآخر يجد في نفسه قوةً ونشاطًا فيمشي، ثم بعد مدة يتعب فيقول لأبيه: تعبت، ثم يقول له والده: اترك الحجر الثاني، فيتركه فيمشي مدة ثم إذا تعب حمله والده. قال: فعل أبي هذا لأنه لو لم يحمّلني شيئًا كنت مشيت قليلًا ثم طلبت منه أن يحملني لكن عندما أثقل الحمل علي ابتداء صرت أجد نشاطًا كلّما خفّف عني.
ومتى ظهر من ولدك خُلُق جميل وفعل محمود أثنِ عليه وأكرمه وجازِه بما يفرح به، وإن خالف في بعض الأحوال استر عليه وانصحه.
ومن هنا يُعلم أن على أولياء الصبيان أن يتعلّموا ما أوجبه الله عليهم ليستطيعوا نقل هذا العلم إلى أولادهم وليسهّلوا عليهم طريق العلم والعمل، فإن زرعت في قلب ولدك محبة الله ورسوله وعوّدته سماع كلام الله ورسوله وعلّقت قلبه بحبهما وبحبّ الاقتداء بالنّبيّ ﷺ والصالحين سهّلت عليه طريق العمل لآخرته، فلا يجد مشقة شديدة في قلبه لفعل الطاعات والبعد عن المحرّمات بإذن الله، بل يجد لذة في طاعة خالقه، فإن كنت تحبّ ولدك حقًّا لا تذهب به إلى طرق الهلاك، بل أشفق عليه، وأحبب له أن يدخل الجنة، وأحبب له قبرًا منيرًا واسعًا، وأحبب أن يجمعك الله تعالى به في الجنة، وليكن هذا هدفك له في الحياة التي ستفارقها أنت وهو.