هو يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان الدويني الأصل التكريتي المولد، ودوين تقع بطرف أذربيجان من جهة أران أهلها أكراد. وهو السلطان الملك الناصر التقي النقي العالم الذكي العادل الزكي فاتح الفتوح بركة أهل زمانه صلاح الدين المظفر ابن الأمير الملك الأفضل نجم الدين. ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة بتكريت إذ كان أبوه واليها. 

سمع الحديث من الحافظ أبي طاهر السّ‍ِلفي وأبي طاهر بن عوف والشيخ قطب الدين النيسابوري وعبد الله بن بري النحوي وغيرهم. وروى عنه يونس بن محمد الفارقي والعماد الكاتب وغيرهما.

ويقال كان فقيهًا فكان يحفظ القرءان وكتاب التنبيه في الفقه وكتاب الحماسة في الشعر، وقد ملك البلاد ودانت له العباد وأحبّه الخلق، ونصر الإسلام، وغزا الفرنج وكسرهم مرات، وفتح المدن الكبار، وأقام في السلطنة أربعًا وعشرين سنة يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.

وكان مَلِكًا عظيمًا شجاعًا مهيبًا عادلًا يملأ القلوب محبة عابدًا قانتًا للّه لا تأخذه لومة لائم، مجلسه يجمع الفضلاء والفقراء، وأصحابه كأنهم على قلب رجل واحد محبة فيه واعتقادًا وطواعية.

ولقد صنف في سيرته القاضي ابن شداد كتابًا مستقلًّا، وصنف ابن واصل كتابًا في سيرته وسيرة أهل بيته، وصنف أبو شامة في سيرته وسيرة الملك نور الدين، وصنف العماد الكاتب في فتوحاته وصنف آخرون في شأنه. يقول تاج الدين السبكي في طبقاته: وما عسى الذي نورده بعد ما أطال هؤلاء ثم اعترفوا بالقصور والتقصير في حق هذا السيّد الكبير؟! ولنأت بما فيه مقنع وبلاغ.

ذكر ابتداء أمره قبل ملكه

قدم به أبوه إلى دمشق وهو رضيع في سنة ثلاث وثلاثين، وقيل إن أباه خرج من تكريت في الليلة التي ولد فيها صلاح الدين فتطيّر بذلك بعض الناس، وقال بعضهم: لعل فيه الخيرة وأنتم لا تعلمون، فكان كذلك، حيث اتصل أبوه بالملك نور الدين الشهيد فخدمه هو وولده صلاح الدين بعد ذلك خدمة بالغة.

وقد وَلي صلاح الدين الوزارة وهي في ذلك الوقت كالسلطنة فاستقل بسلطنة مصر ولقب بالملك الناصر وصار صلاح الدين السلطان رضي الله عنه.

مناقبه

قال أحد معارف السلطان: رأيت السلطان صلاح الدين على القدس فرأيت ملكًا عظيمًا سهلًا محببًا وأصحابه يتشبهون به يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ سورة الحجر/47، وأول ليلة حضرته وجدت مجلسًا حافلًا بأهل العلم يتذاكرون في أصناف العلوم وهو يحسن الاستماع والمشاركة ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويتفقه في ذلك وكان مهتمًا في بناء سور القدس وحفر خندقه يتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به جميع الأغنياء والفقراء فيركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر ويأتي داره فيمد السماط ثم يستريح ويركب وقت العصر ويرجع في ضوء المشاعل ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمله نهارًا.
وهو الذي ابتنى قلعة القاهرة على جبل المقطم، وفتح من بلاد المسلمين حران وسروج والرها والرقة والبيرة وسنجار ونصيبين وآمد وملك حلب والبوازيج وشهرزور وحاصر الموصل إلى أن هادنه صاحبها عز الدين مسعود ودخل في طاعته وكانت عادته إذا دخل أحد في طاعته لا يقابله إلا بالإحسان.