الحب الصادق يصمد في وجه الآلام… مهما كانت الرياح عاتية… يبقى راسخًا في القلب… يجابه كل العواصف ولا يتأثّر بها… بعض أمراض القلوب قد تغزو وتهاجم بعض ضعاف النفوس… لكن من كان حبّه كبيرًا… يكون دفاعه قويًّا… يزيل عن نفسه آثار كل أذى… ويقاوم… أحيانًا ينتصر… بعضهم قد ينكسر… لكن المهم أن نستمر بدفع ما يؤذينا والبحث عن أسباب الراحة لقلوبنا المتعَبة… 

نبيل شاب في الثلاثينات… تزوج من أماني… هي أكبر منه سنًّا بحوالي أربع سنوات… تعرّف عليها في منزل أحد أصدقائه… كانت في زيارة أسرية لأهل صاحبه مروان… أعجب بتصرفاتها وعباراتها… وبعد عدة لقاءات قرر أن يخطبها… كان الحبّ كبيرًا بينهما… تناسوا الكثير من التفاصيل… الراتب القليل… مكان السكن… وجدوا لكل شىء حلًّا مناسبًا… استأجر نبيل منزلًا صغيرًا في حي شعبي… أثاث المنزل كان مستعملًا… واتّفق مع أماني أن يتعاونا في مصروف البيت… كلاهما يعمل براتب بسيط… لكن يكفيهما مع شىء من الاقتصاد…

مرت سنوات… صارت الأسرة أكبر… صار عندهم ثلاثة أطفال… كبيرهم في الثامنة من عمره…

رغم بعض المشكلات التي كانت تمرّ بالأسرة… حافظ نبيل وأماني على كل أسباب استمرار الأسرة وصمودها… كان كل واحد منهما يتناسى ما يعانيه من الآخر حرصًا على بقاء الأسرة في جو مقبول من الراحة والأمان… لكن بدأت مخاوف أماني تزيد كثيرًا… كانت تغار على زوجها… في عمله نساء جميلات… كانت تخشى أن يقع زوجها في حب إحداهن… كانت تبحث يوميًّا في جواله عن رسائل تظن أنها أتته من إحداهن… كانت تفسر الكثير من عباراته على مزاجها… وتتهمه بأنه يحب فلانة وفلانة… يلاطف تلك الجارة… ويضحك للأخرى… وتسأله عن زياراته التي زادت لرفيقه فؤاد… واتهمته أنه يزوره ليلتقي بإحداهن عنده…

لم يعد نبيل يتحمل كثرة شكوك زوجته… كان يفر من بيته ليخفف من المواجهة معها… يذهب إلى زيارة والده يشكو له مشكلته مع زوجته.. قال له إن نفسه تحدثه بأن يطلقها… وإن الحياة معها صارت صعبة جدًّا وإنه لم يعد يتحمل وجودها معه في نفس المنزل… هي تغار دون سبب… هو لا يحبّ غيرها… وليست له أي علاقة مع غيرها من النساء… لماذا كل هذه الشكوك؟ غيرتها تحرق أعصابه وتحوّل جو المنزل إلى ألم متواصل… والده كان ينصحه بالصبر على أم أولاده لأجلهم وحتى لا يسبّب لهم أزمة في حياتهم…

حين يعود إلى المنزل… تبدأ الأسئلة المعتادة… لماذا تأخرت… أين ذهبت معها… رائحة عطرها تفوح منك… طلقني إن لم تعد تحبني… كان يصبر عليها… يلاطفها… يخبرها أنها الوحيدة في حياته ولا يحب غيرها… لكن شكوكها كانت أقوى من كلماته… ويبدأ الشجار… ومع كل شجار كان يزداد خوف الأطفال وبكاؤهم… كبيرهم كان يأتي لوالده يقول له… بابا لا تشاجر ماما… هي مريضة… ويبكي خوفًا وشفقةً على أمه… بعض المشكلات الأسرية يزرعها الكبار ويحصد نتائجها الصغار… لكن حكمة الكبار في التصرف قد تجنب الأسرة الكثير من المآسي…

نوال… إحدى صديقات أماني… كانت تزورها أحيانا وتنصحها أن تخفف من غيرتها… وأن زوجها يحبها ولا يريد سواها… وأن غيرتها الزائدة قد تقضي على أسرتها… وكانت تأتيها بحبوب مهدئة للأعصاب ظنًّا منها أنها ستخفف عن صديقتها آلامها ومشكلاتها… وأن هذه الحبوب قد تساعدها في النسيان… كانت أماني تشعر بالراحة حين تتناول تلك الحبوب لكنها كانت تفرط في استعمالها… لدرجة أن وضعها العصبي زاد سوءًا… استدعى هذا الوضع إدخالها لعيادة خاصة لكي تتخلّص من الإدمان على تلك الحبوب… وبعد انتهاء العلاج… عادت إلى منزلها… لكن زوجها لم يعد يتحمل أن يعيش معها… ترك لها المنزل والأولاد… قال لها لن يكون هناك طلاق… ستبقين في منزلك وأنا سأسافر للعمل في بلد آخر… وهكذا كان… ذهب للعمل خارج بلاده… كان يخشى إن بقي معها أن تكثر مشكلاتهما أمام أولاده فيزداد قلقهم وحزنهم…

الغيرة قد تكون أحيانًا سببًا لكثير من الهموم… بيوت كثيرة هجرها الفرح والأمان بسبب الشكوك المبنية على الوهم… لكن ما هو الحل؟ الثقة المتبادلة… التوكل على الله… الصبر… حتى لو تزوج الرجل من أخرى… تصبر المرأة… ما دام الأمر حلالًا… وتحمد الله على كل حال… لا تتركوا الظلام يخيّم على بيوتكم… دائمًا افتحوا النوافذ للنور…