مع كل تغيير موسمي في فصول السنة، وخاصة قبيل الصيف وقبيل الشتاء، تنشط الكثير من الأسر بغربلة الثياب التي ما عادت تلائم أطفالهم الذين كبرت أجسادهم مذ لبسوها في الموسم الأخير، فيفرزونها ومنهم من يخبئها لأطفالهم الأصغر سنًّا ومنهم من يعطيها للأقارب أو الجيران ومن يعطيها لمؤسسات خيرية تُعنى بإيصالها إلى المحتاجين ممن لا يعرفونهم.
مثال ممتاز عن التآخي والتعاضد والتآزر والعطاء المحمود… لكن دائمًا ما تستوقفني بعض الأسئلة… فمتى نعطي؟ وماذا نعطي؟ والسؤال الأهم هو: كيف نعطي؟
هل نعطي ما نرغب أو ما لا نرغب؟
هل نتخلّى عما نريد أحيانًا أو لا يخرج من عندنا إلا ما قد كرهنا؟
هل نخصص المحتاجين ببعض جديد في عيد أو نحوه أم كل ما نعطيه سئمناه وما عاد يصلح لنا؟
هل نغسل الثياب قبل أن نعطيها ونخيط زرًّا قد وقع منها أو نرتق فيها فتقًا صغيرًا؟ هل نهيّئ الثياب ونطويها ونعطرها ونرتبها بطريقة تفرح نفس متلقيها أو نقحمها في كيس للقمامة كيفما اتفق، بوسخها وتلفها لينفر منها الفقير ويُكسر خاطره؟
هل ننفق مما نحب أو نتكرم بما عافته أنفسنا؟
هل نفكر بإدخال السرور إلى القلوب حين نعطيها أم في تخفيف «الكركبة» في خزائننا فقط؟
لنتذكر مشاعر المتلقين، ولنتصرف بعطايانا بما يرضيهم. مثال ذلك أن نعطيها كما نحب أن نتلقى هدية… نظيفة مرتبة مقدمة بشكل لائق… نعطي ما يصلح للاستعمال وما لا نمانع لبسه أو إلباسه لأولادنا. لنعطي وفي قلوبنا رغبة بالعطاء تعادل أو حتى تفوق رغبتنا بالتخلص… فما أجمل عطيتنا إن وضعنا في جيب بنطال الأولاد لعبة صغيرة: سيارة أو دمية، أو رسالة محبة، أو حتى بعض الملصقات أو الممحاة أو أقلام التلوين.
وما أسعد المتلقية حين تجد في جيب القميص المعطى زجاجة عطر أو قطعة صغيرة من الحلي أو بطاقة إعادة شحن للهاتف المحمول… أو حتى القليل من المال تشتري به ما تحتاجه…
ومع ذلك لو لم نعطهم الجديد ففي العطاء خير، فقد رُوي عن النّبيّ ﷺ: «من لبس ثوبًا جديدًا فقال: الحمد للّه الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمّل به في حياتي ثم عمد إلى الثوب الذي أخلقَ (أي بليَ) فتصدّق به كان في كنف الله وفي حفظ الله وفي ستر الله حيًّا وميتًا» رواه الترمذي.
لنجعل من هذا العيد مناسبة عطاء خاص، نعطي فيها الجميل وبعض الجديد والمحبب إلى القلب. لنعطي المحتاج كما نكرم ضيوفنا، بعناية في طريقة التقديم وبمحبة وسخاء… حتى الطعام نوزعه بلباقة ونفرح العين بمنظره قبل أن تشبع البطون… فلا ننسى أننا نحظى بفرصة لكسب الثواب إن أعطينا بنية صافية… وهنيئًا لمن أنفق مما يحب وعطف على اليتيم وأشفق على المحتاج وكان للناس مقصدًا، ويا سعد من قابل الناس كما يحب أن يُقابَل، بالبشاشة والتواضع والسماحة وحب الخير…
فرحة يوم العيد عندما نعطي منها تزيد.