بابتسامته العذبة فارقنا، وبوجهه الطاهر النيّر ودّعنا… وهو هو كما عرفناه كما ألفناه وألفيناه. معطاء ذا همّة نادرة في الدعوة إلى الله سبحانه، لم نعرفه إلا في ساحات الخير وميادين الطاعة، من أراد رؤيته أو الاجتماع به فهو هناك، حيث أبواب العبادة، وحيث أعتاب مجاهدة النفس، وحيث آفاق المعالي التي لا يرتقي إلى أعاليها إلا الرجال الرجال… رجل إلا أنه بألف رجل، رجل أفعاله مدرسة، وأقواله مدرسة، ومواقفه مدرسة… 

رجل في الثبات على الحق صلب صلابة تتقاصر عنها الجبال، رجل في الشفقة على أبناء وطنه وأمّته أحنّ من الأم على فلذة كبدها… رجل تسابقت دموع الصغير قبل دموع الكبير إلى وداعه ورثائه… رجل لا تكاد العين تظفر بمثله في عصر ضنين بالرجالات الأكابر، وكأن العين بغيابه فقدت قمرًا لا يطلع… رجل صالح هو سماحة الشيخ نزار حلبي رحمه الله…

لن تختصر مناقب الشيخ نزار حلبي
رحمه الله سطور قليلة، إذ مناقبه إنجازات جليات تكاد تنطق بفضل من سهر عليها ورعاها حتى انقلبت واقعًا ملموسًا مشاهدًا بعد أن كانت حلمًا وأمنيات.

وإن شئت أن تضع عنوانًا لمسيرته المشرقة
–رحمه الله– فلعلك لا تظفر بعنوان أو كلمات تغنيك عن سواها، ومن بين تلك الكلمات والمفردات تلوح لك كلمة تختزل كثيرًا من المعاني، إنها: البذل والعطاء. نعم… كانت حياة فقيدنا الكبير بذل وعطاء في سبيل نشر الحق ونصرة الدين وأحكام الشريعة السمحاء التي استقاها من مناهل علامة العصر محدث بلاد الشام، بل محدث الدنيا في عصره العارف باللّه الشيخ عبد الله الهرري العبدري رضي الله عنه.

ارتقى صهوة المجد بطلًا بالتقى والورع، وتاج الأمانة الشرعية يكلّله أينما حلّ وأينما سار. لذلك كان صدى كلماته الصادقة يتردّد في القلوب والأفئدة، وما ذاك إلا بصفاء اليقين وحكمة الخطاب ونور التقوى…

عرفته المنابر عملاقًا، وجبلًا راسخًا يقول الحق لا يخشى في الله لومة لائم، وكيف يخشى من جعل كتاب الله وسنّة نبيّه ﷺ نصب عينيه؟! وكيف يخشى من اعتصم وتوكّل على الله حقَّ تقاته…

كم دعا –رحمه الله– إلى نبذ التطرف باسم الدين، وترك منهج الإفراط ومنهج التفريط اللذين تاه فيهما كثير من شباب الأمة..

هكذا كان، وهكذا كانت جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية ولا زالت، علم وعمل، وإخلاص في القول والعمل، والعالم اليوم يشهد يقظة وصحوة ضد التطرف وأشكاله وصوره المتسترة باسم الدين. يقظة كان الراحل الكبير قد نبّه إلى أهميتها قبل عشرات السنين… إلى أن اغتالته رصاصات التطرف وهو في قمة عطاءاته.

غبت عنا يا بدر بيروت بالجسد، وأنت في قلوبنا حيٌّ، ماثل فينا منهاجك راسخة فينا كلماتك، وكأن همّتك قد سرت فينا، فإذا المشاريعيون كلهم نزار، وكلهم حسام، يحركهم حبّ الآخرة، وحبّ الخير للناس، فتراهم سيول اندفاع نحو طرق الخيرات والمشاريع والإنجازات يكبرون يومًا بعد يوم، بل ساعة بعد ساعة، هنا وهناك، يومهم أفضل من أمسهم، وغدهم أفضل من يومهم بإذن الله، وعلى الله توكلهم، فهم ماضون في مسيرة الخير هذه، يحملون هذه الأمانة الغالية حبًّا للّه ورسوله، خلف ذلك البطل القائد اليقظان الساهر على سلامتها ورقيّها، وإدارة دفّة سفينتها بحكمة التوجيه وصوابية القرار ومنهج الاعتدال، إنه خَلَفُ الخيرِ سماحة الشيخ حسام قراقيرة حفظه الله…

ليحفظك الله يا جمعية المشاريع، وليحفظ لنا دعاتك وإنجازاتك… فأنت كما وصفك معلم التوحيد المحدث الهرري بقوله «جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية حصن يلتجئ إليه الناس من فساد الاعتقاد».