الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وأصحابه الطيّبين الطاهرين. 

أما بعد فإن الحجّ عبادة عظيمة وهو فرض على المستطيع، يلبّي فيها الحاج دعوة سيّدنا إبراهيم حين قال له ربّه: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) سورة الحجّ.

يذهب الحاج إلى مكة قاصدًا النسك فيبدأ بالأعمال، يطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويقف بعرفة، ويبيت بمزدلفة، ويرمي الجمار، وينحر ويبيت بمنى، ثم ينتهي من أعمال الحجّ فيطوف بالبيت الحرام طواف الوداع، ثم يزور قبر حبيبه محمّد ﷺ، ثم يعود إلى أهله بأغلى الذكريات التي لا تمحى ما بقي حيًّا بإذن الله تعالى.

إن الأمّة في مسيس الحاجة إلى الدروس المستفادة من رحلة الحجّ، وقد قرّ في أذهان كثير من المسلمين تأخير الحجّ إلى الشيخوخة لكن أداء الحجّ لا يختصّ بالشيوخ، لأن الله تعالى فرضه على المستطيع شابًّا أو شيخًا، قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) سورة آل عمران، وقال ﷺ: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمّدًا رسولُ الله، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وصومِ رمضان، وحجّ البيت» رواه الترمذي، وفي حديث جبريل حين سأل رسول الله ﷺ عن الإسلام قال ﷺ بعد سرد أعظم أمور الإسلام «وتَحُجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليهِ سبيلًا» رواه مسلم.

وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «العُمرة إلى العُمرةِ كفّارةٌ لِما بينهُما، والحجُّ المبرورُ ليس لهُ جزاءٌ إلّا الجنّةُ» وقال ﷺ أيضًا: «من حجّ هذا البيت فلم يرفُث ولم يفسُق رجع كما ولدتهُ أُمُّهُ» رواه البخاري وغيره.

فالحجّ المبرور أي المقبول هو الذي لا رَفَثَ فيه ولا فسوق، وهو يتطلّب إخلاصًا للّه تعالى لذا كان ﷺ يدعو ويقول محذرًا ومعلّمًا: «اللّهمّ حجّةً لا رِياء فيها ولا سُمعة» أخرجه ابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. ويتطلب أن يكون المال حلالًا طيّبًا، وأن يتجنب فيه الحاجّ الكبائر، وأن يكون العمل موافقًا لما جاء به رسول الله ﷺ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «خذوا عنّي مناسكَكُم» رواه البيهقي في السنن الكبرى.

ومن بركة الحجّ المقبول أن يرجع الحاجّ خيرًا مما كان عليه، يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة. فلا ينبغي لمن كان هذا حاله أن يرجع إلى المعاصي، فما أوحش ذلّ المعصية بعد عزّ الطاعة، فسَلُوا الله الثبات إلى الممات، فقد كان الإمام أحمد يدعو ويقول: «اللّهمّ أعزّني بطاعتك ولا تذلّني بمعصيتك»، وكان عامة دعاء إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه: «اللّهمّ انقلني من ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة».

نعم، مَن كان حجُّه مبرورًا قليل، ما كلُّ مَن حجَّ قُبِلَ حجُّهُ، ولا كلّ من صلّى وصام قُبِل عمله…

ثم إن قدّم لكم الحجاج شيئًا من ماء زمزم، فاشربوا على نية قضاء حاجة لكم لما في هذا الماء من الخصوصيّة، وهذا مما عَمِل العلماءُ والأخيارُ به، فشربُوه لمطالب لهم جليلةٍ فنالوها. قال العلماء: يُستحبّ لمن شربه للمغفرة أو للشفاء من مرضٍ ونحو ذلك أن يقول عند شربه: «اللّهمّ إنه بلغني أن رسول الله ﷺ قال: «ماءُ زمزم لِما شُرِب لهُ» اللّهمّ وإني أشربُهُ لِتغفِر لي فاغفِر لي، اللّهمّ إني أشربُهُ مُستشفِيًا بِهِ فاشفِني، أو: اللّهمّ إني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعًا وشفاءً من كلّ داء».

وإن قدّموا لكم التمر لا سيّما عجوة المدينة فاقبلوا، فقد قال رسول الله ﷺ: «من تصبّح كُلّ يومٍ سبع تمراتٍ عجوةً لم يضُرَّهُ في ذلِك اليومِ سُمٌّ ولا سِحرٌ» رواه البخاري ومسلم.

وإن قدّموا لكم طِيبًا أو سواكًا أو سُبحة فاقبلوا، وتطيّبوا لا سيّما من المسك كما قال عليه الصلاة والسلام: «أطيبُ الطّيبِ المِسكُ» رواه أحمد في مسنده والنسائي عن أبي سعيد. واستعملوا السواك ففوائده كثيرة منها أنه يُرضي الربّ ويطهّرُ الفم ويشدّ اللثة ويضاعف الأجر ويبيّض الأسنان ويذكّر بالشهادة عند الموت ويساعد في إخراج الحروف من مخارجها، فقد قال ﷺ: «السّواكُ مطهرةٌ للفمِ مرضاةٌ للربّ» رواه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن وغيرهم. وأما السُّبحة فإنها تُذكّر حاملها بتسبيح الله عزّ وجلّ وتمجيده.

عباد الله، ومما نحذركم منه ونحذر حجّاجنا الكرام منه، كتيبات صغيرة ملوّنة مزخرفة توزّع مجانًا، وقد مُلئت بالعقائد الفاسدة والأفكار الكاسدة، التي تدعو إلى تشبيه الله الخالق بمخلوقاته، وتكفير المؤمنين، وتحريم التوسل والتبرك بالصالحين. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد وأن يرزقنا الحج والعمرة وزيارة نبيّنا محمّد ﷺ وشفاعته.