مع حلول موسم الحجّ تنتعش قلوب المؤمنين ببركته وتستعد لتلبية أمر الله عزّ وجلّ لمن استطاع إليه سبيلًا.

فالحجّ له فوائد عظيمة ومزايا جليلة لهذا يتسابق المسلمون للتشرف بحجّ بيت الله الحرام وزيارة قبر خير الأنام. 

فينبغي للحاجّ أن تكون له وقفة توبة ومحطة تزوّد بالتقوى والعمل الصالح. ففي الحجّ يكتسب المؤمن تعود الصبر وتحمل المشاق والمصاعب ويتعاون المؤمنون فيما بينهم على البِرّ والخير فطوبى لمن حجّ واعتمر ورجع طاهرًا من كل ذنب نظيفًا من كل دنس وبقي على توبته حتى توافيه المنية.

وقد ذكر الإمام أحمد بن رسلان رحمه الله تعالى أنه مِن السُّنة أن يغتسل قبل الإحرام، فإن عجز المحرم عن الماء تيمّم، فإن ترك الغسل مع إمكانه كُره له ذلك وصحّ إحرامه. ويستحب للحاجّ الغسل في عشرة مواضع: للإحرام، ولدخول مكة، وللوقوف بعرفة، وللوقوف في مزدلفة بعد الصبح يوم النحر، ولطواف الإفاضة، وللحلق، وثلاثة أغسال لرمي الجمار أيام التشريق، ولطواف الوداع، ويستوي في استحبابها الرجل والمرأة. ويستحبّ للحاجّ قبل الإحرام أن يستكمل التنظيف بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر ونحوها.

ويتجرّد الرجل الحاجّ عن الملبوس الذي يحرم عليه لُبسه ويلبس إزارًا ورداء، والأفضل أن يكونا أبيضين جديدين أو نظيفين. ثم يتطيّب، والأولى أن يقتصر على تطييب بدنه دون ثيابه. والأفضل أن يكون بالمسك المخلوط بماء الورد أو نحوه، وسواء فيما ذُكر من الطيب الرجل أم المرأة. ويستحبّ للمرأة أن تخضب يديها بالحناء إلى الكوعين أي الرسغين قبل الإحرام. ويسن بعد فعل ما ذكر صلاة ركعتين ينوي بهما سُنّة الإحرام، يقرأ فيهما بعد الفاتحة: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)و﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) أي سورة الكافرون وسورة الإخلاص والأفضل أن يُحرم إذا ابتدأ بالسير راكبًا كان أو ماشيًا، ويستحب أن يستقبل القبلة عند الإحرام، ونية الإحرام بالقلب.

والاحتياط أن ينوي بقلبه ويقول بلسانه وهو مستحضر النية في القلب: «نويتُ الحجّ وأحرمتُ به للّه تعالى، لبّيك اللّهمّ لبّيك» إلى آخر التلبية. ويستحب الإكثار من التلبية، إن كان قائمًا أو قاعدًا أو راكبًا أو ماشيًا أو مضطجعًا. ويتأكد استحبابها عند تغيّر الأحوال والأماكن والأزمان. ويستحبُّ للرجل رفعُ صوته بالتلبية بحيث لا يضرّ بنفسه، ويكون صوته دون ذلك في صلاته على رسول الله ﷺ عَقِبها.

أما المرأة فلا ترفعُ صوتها بها، بل تقتصر على إسماع نفسها فإن رفعته كُره ولم يحرم. ويستحب تكرار التلبية في كل مرة ثلاث مرات ويأتي بها متوالية. وإذا رأى شيئًا فأعجبه فالسنّة أن يقول: «لبّيك إن العيش عيش الآخرة» ويدخلُ وقت التلبية من حين يُحرِم ويبقى إلى أن يشرع في التحلل. وإذا بلغ الحرم استحب بعض العلماء أن يقول: «اللّهمَّ هذا حرمُك وأمنُك فحرّمني على النار وآمنّي عذابك يوم تبعثُ عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك». ويستحضر من الخشوع والخضوع في قلبه وجسده ما أمكنه.

ويستحبّ إذا وقع بصره على البيت أن يرفع يديه ويدعو. فقد جاء أنه يُستجاب دعاء المسلم عند رؤية الكعبة يقول: «اللّهمَّ زِد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد من شرَّفه وعظَّمه ممن حجَّه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبِرًّا، اللّهمَّ أنت السلامُ ومنك السلام فحيّنا ربَّنَا بالسلام». ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا وأهمها سؤال المغفرة وينبغي أن يتجنب في وقوفه موضعًا يتأذى به المارّون أو غيرهم.

وإذا دخل المسجد يقول: «بسم الله والحمد للّه، اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وعلى آله وسلّم، اللّهمّ اغفرْ لي ذنوبي وافتحْ لي أبواب رحمتك». وإذا خرج قال هذا إلا أنه يقول: «وافتح لي أبواب فضلك».

قال الإمام الشافعي: وأحَبُّ ما يُقال في الطواف: «ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار». وجاء عن الحسن البصري أن الدعاء يُستجاب في مكة في خمسة عشر  موضعًا: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي السعي، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي مزدلفة، وفي مِنى، وعند الجمرات الثلاث.

ويُكره في الطواف الأكل والشرب وأن يضع يدَه على فمِه إلا أن يحتاج إليه أو يتثاءب. ويستحبُّ أن لا يتكلم فيه بغير الذكر إلا كلامًا هو محبوب. ويُكره أن يطوفَ وهو يُدافع البول أو الغائط أو الريح.

وإذا فرغ من الطواف صلّى ركعتي الطواف وهما سنّة مؤكدة ولا يتعيّن لهما مكان ولا زمان، ويجهر بالقراءة إنْ صلاهما ليلًا، ويُسرّ إن كان نهارًا.

ويستحبُّ إذا صعد الصفا أن يستقبل الكعبة ويهلّل ويكبّر وينزل من الصفا إلى المروة فيمشي حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد على يساره قدر ستة أذرع ثم يسعى الرجل سعيًا شديدًا حتى يصل بين الميلين الأخضرين في الطرف الآخر ثم يترك شدة السعي، ويمشي على عادته حتى يصل المروة فيصعد عليها حتى يظهر له البيت، وإن ظهر فيأتي بالذكر والدعاء كما فعل على الصفا وليصعد إلى أن يستيقن أنه قطع المسافة، ولو طاف أو سعى وشكَّ في العدد أخذ بالأقل.

ويُستحبُّ أن يقول في سعيه ومشيه بين الصفا والمروة: «ربّ اغفرْ وارحمْ وتجاوزْ عما تعلم إنّك أنت الأعزُّ الأكرم. اللّهمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار»، ولو قرأ القرءان كان أفضل. ويُستحبّ أن يسعى على طهارة، فلو سعى الشخص محدثًا أو جنبًا أو حائضًا أو عليه نجاسة صحّ سعيه. وإذا كثرت الزحمة فينبغي أن يتحفظ من إيذاء الناس.

واستحسن بعضُ العلماء أن يقول في مسيره لعرفة: «اللّهمَّ إليك توجهتُ ولوجهِك الكريم أردتُ فاجعلْ ذنبي مغفورًا وحجّي مبرورًا وارحمْني ولا تخيّبني إنَّك على كل شىء قدير»، ويكثر من التلبية.

واعلم أن أرض عرفات ليست من الحَرَم، ومن سنن الوقوف: الاغتسال بِنَمِرَةَ، وأن لا يدخل عرفات إلا بعد الزوال وأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا في وقت الظهر، وتعجيل الوقوف عقب أداء الصلاتين، وأن يكثر من الذكر والدعاء وأن يكثر من التضرع فيه والخشوع وإظهار الضعف والافتقار والذِلّة ويُلحّ في الدعاء ولا يستبطئ الإجابة.

وليبدأ دعاءه بحمد الله والصلاة والسلام على النبيّ ويختم بمثل ذلك ويختم دعاءه بآمين.

وأفضلُ الدعاء في يوم عرفة: «اللّهمَّ لك الحمد كالذي نقول وخيرًا مما نقول، اللّهمَّ لك صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي، وإليك مآبي ولك ربي تراثي، اللّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر، وشتاتِ الأمر، اللّهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الريح». تارة يدعو، وتارة يهلل، وتارة يكبّر، وتارة يلبّي، وتارة يصلّي على النّبيّ ﷺ وتارة يستغفر، ويدعو منفردًا ومع جماعة، وليدعُ لنفسه ووالديه وأقاربه وشيوخه وأصحابه وأحبابه وسائر من أحسن إليه والمسلمين.

ولْيحذر كل الحذر من المخاصمة والمشاتمة والمنافرة والكلام القبيح، وينبغي أن يحترز غاية الاحتراز عن احتقار من يراه رثّ الهيئة أو مقصرًا في شىء، فإن رأى منكرًا محققًا مجمعًا عليه توجّب عليه إنكاره، ويتلطّف في ذلك وليستكثر من أعمال الخير يوم عرفة، ويستحب لمن جلس في المسجد الحرام أن يكون وجهه إلى الكعبة فيقرب منها وينظر إليها إيمانًا واحتسابًا فإنه رُوي أن النظر إليها عبادة. ويستحب له أن ينوي الاعتكاف كلما دخل المسجد الحرام. ويستحب الإكثار من شرب ماء زمزم والتضلع منه أي الامتلاء فإنه ماء مبارك وشفاء. فإذا فرغ حمد الله، ولا يجوز أن يأخذ شيئًا من تُراب الحرم وأحجاره معه.

أخي الحاجّ الكريم، إذا أتيت بالأركان صحّ حجّك بإذن الله. ومن ارتكب شيئًا من محرّمات الإحرام وجب عليه فدية أو دم أي يذبح شاة وأن يملّكها لبعض فقراء الحرم على تفصيل يذكره الفقهاء.

مِن أدعية الحجّ

– اللّهمَّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد (3 مرات).

– اللّهمَّ إنا نسألك الرضوان والجنة ونعوذ بك من النار (3 مرات).

– ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار (7 مرات).

– لبّيك اللّهم لبّيك… لبّيك لا شريك لك لبّيك… إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.

مِن فوائد الحجّ

-1 قد قال رسول الله ﷺ: «مَنْ حَجَّ لِلّهِ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ رجعَ كَيَوْم ولدتْهُ أُمُّهُ» رواه البخاري.

-2 هناك يجتمع مئات الآلاف من المسلمين على اختلاف ألوانهم وتباين لهجاتهم، يجتمعون تحت كلمة «لا إله إلا الله». وهناك يدعون ربّهم ويتعارفون ويأتلِفون.

-3 يقف الجميع متجردين من لباس الفخر والتميّز، صغيرهم وكبيرهم، غنيهم وفقيرهم، شريفهم وحقيرهم، كلّهم عند الله سواء لا يتفاضلون إلا بالتقوى كما أخبر الحبيب المعلّم المرشد ﷺ: «لا فَضْلَ لِعَرَبِيّ عَلَى عَجَمِيّ، وَلا لِعَجَمِيّ عَلَى عَرَبِيّ، وَلا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى» رواه الإمام أحمد في مسنده.

-4 وفي الحجّ تمرين للإنسان على الصبر وتحمّل المشاق والمصاعب.

-5 وفي الحجّ تعاون على البرّ وتنافس على عمل الخير.

 

نسألُ الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا من حُجّاج البيت العتيق الطاهر، ومن زوّار حبيبه المصطفى ﷺ ومِن التائبين الراشدين الذين لا تفارقهم مخافة الله طرفة عين.