الحمد للّه الملك العلّام، أحمده عند الجلوس والقيام، وأتوب إليه من جميع الذنوب والآثام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تشفع لقائلها في يوم الزحام. وأشهد أن سيّدنا وعظيمنا وقرة أعيننا محمّدًا
رسول الله سيّد العرب والأعجام، وأصلّي وأسلّم عليه صلاة وسلامًا دائمين متلازمين على مرّ الليالي والأزمان. 

أما بعد فيقول ربّنا تبارك وتعالى في القرءان الكريم: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًاسورة التوبة/36.

ويقول تعالى أيضًا: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3) سورة الكوثر.

ويقول الحبيب الأعظم سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام» رواه أبو داود، يعني الأيام العشر من ذي الحجة.

تبيّن الآية الأولى أن عدة الشهور اثنا عشر شهرًا. وقد جعل الله تعالى في هذه الشهور أيامًا عظيمة ولياليَ مباركة، ومن هذه الأيام العظيمة أيام رمضان ويوم عرفة ويوم عاشوراء ويوم الجمعة وعيد الأضحى وعيد الفطر.

ففي هذه الشهور جعل الله تعالى عيدين لأمّة محمّد ﷺ هما عيد الفطر  وهو اليوم الأول من شوال بعد رمضان، وعيد الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجة الذي يسبقه أفضل أيام السنة وهو يوم عرفة يليه ثلاثة أيام عظيمة مباركة وهي أيام التشريق الثلاثة.

في هذا اليوم العظيم، عيد الأضحى تعمّ الفرحة والسرور قلوب المسلمين وهو يوم النحر يتوجه فيه حجاج بيت الله الحرام إلى منى لرمي جمرة العقبة، وهذا اليوم ينبغي أن يُكثر المؤمن فيه من طاعة الله، فقد قال سيّدنا الحسن البصري: «كل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد، كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وشكره فهو عيد».

ورُوي عن أحد الصالحين أنه قال: «ليس العيد لمن لبس الجديد، إنما العيد لمن طاعاته تزيد، ليس العيد لمن تجمّل باللباس والركوب إنما العيد لمن غُفرت له الذنوب».

وهذا هو الإمام الجليل أبو حنيفة رضي الله عنه يقول: «كلما فعلت أمرًا فيه طاعة تذكرت قول الله تعالى: ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْسورة إبراهيم/7، فكنت أزداد يومًا بعد يوم».

هذا حال المؤمن الكامل في الدنيا يعمل ليكون يومه أحسن من أمسه، وغده أحسن من يومه ليفوز بالنعيم المقيم الأبدي الذي لا نهاية له.

أما قوله تعالى في سورة الكوثر: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)فقد فسّره بعض العلماء بصلاة العيد، أي صلّ للّه وانحر للّه فإن أناسًا يصلّون لغير الله وينحرون لغير الله.

صلاة العيد

صلاة العيد سنّة، وهي ركعتان، وتصلّى فُرادى وتصلّى جماعة، ويدخل وقتها بطلوع الشمس يومها ويخرج وقتها بالزوال، والزوال هو ميل الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغروب وبذلك يدخل وقت الظهر.

ويسن تأخيرها عن الشروق إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح أي بعد ثلث ساعة من شروقها ومع أن هذه الصلاة سنّة، فإنّ من لم يصلها في وقتها يقضيها أي يصح فيها القضاء، ولا بد فيها من شروط الصلاة وترك المبطلات.

ويسن لمصلّي صلاة العيد أن يكبّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات سوى تكبيرة الإحرام، يقرأ في الركعة الأولى الفاتحة وسورة الأعلى.

أما في الركعة الثانية فيكبّر خمس تكبيرات سوى تكبيرة القيام، ويقرأ بعد سورة الفاتحة سورة الغاشية.

ويسن أيضًا أن يخطب خطبتين أمام جماعة كخطبتي الجمعة ويكبّر في الخطبة الأولى تسع تكبيرات وفي الثانية سبعًا ويعلّمهم في الخطبة أحكام الأضحية في صلاة عيد الأضحى.

ثم إن هذه الصلاة أي صلاة العيد لا يسن لها أذان ولا إقامة بل يُنادى الصلاة جامعة. ويسن التكبير ليلة عيد الفطر وليلة عيد الأضحى في المساجد والبيوت والطرق وبعدهما في النهار إلى أن يدخل الإمام في صلاة العيد.

والسنة أن يبكر إلى الصلاة ليأخذ موضعه وأن يمشي ولا يركب، وأن يذهب لأداء صلاة العيد من طريق طويل ويرجع من آخر أقصر، فقد ورد عن جابر رضي الله عنه قال: «كان النّبيّ إذا كان يوم عيد خالف الطريق» رواه البخاري.

وقوله: «خالف الطريق» يعني يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.

ويوم عيد الأضحى يوم عظيم يُقبل فيه المؤمن على طاعة مولاه ويكثر فيه من الخيرات والأعمال الصالحة من صلة الأرحام والأقارب والتحلل من التبعات والمظالم.

ويسن الغسل للعيدين ويدخل وقته من نصف ليلة العيد ويخرج بغروب شمس يوم العيد ولكن يستحب فعله بعد الفجر. ويستحب في هذا اليوم العظيم التطيب والتسوك والتنظيف بإزالة الشعور وتقليم الأظفار وإزالة الرائحة الكريهة من بدنه وثوبه وسواء في ذلك من يحضر صلاة العيد أم من لا يحضرها.

ويسن أن يلبس الرجل أحسن ثيابه، ودليله ما روى الشافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النّبيّ ﷺ  كان يلبس في العيد بُرد حِبَرة، وهو نوع من الثياب معروف باليمن، وأفضل ألوان الثياب البياض، قال رسول الله ﷺ: «البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب وكفّنوا فيها موتاكم»
رواه الترمذي، وقال الإمام مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.

هنيئًا لمن مرّ عليه هذا العيد وهو في تلك الديار المباركة مؤدّيًا فريضة الحجّ العظيمة وزائرًا لحبيبنا الأعظم سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام.

تكبيرات العيد

يُسن التكبير في المساجد والأسواق والطرق والمنازل من غروب الشمس ليلة العيد إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد، وأما التكبير بعد الصلوات فيبدأ المصلي بالتكبير عقب صلاة الصبح من يوم عرفة وينتهي هذا التكبير عقب صلاة العصر آخر أيام التشريق.

وتكبيرات العيد هي:

الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله

الله أكبر الله أكبر الله أكبر

الله أكبر كبيرًا، والحمد للّه كثيرًا وسبحان الله وبحمده بُكرةً وأصيلًا

لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده وأعزّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلّا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللّهمّ صلّ على سيّدنا محمّد وعلى آل محمّد وعلى أصحاب محمّد وعلى أنصار محمّد وعلى أزواج محمّد وعلى ذرّية محمّد وسلّم تسليمًا كثيرًا، ربّ اغفر لي ولوالدي ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرًا.

التحذير من الاستهزاء بشعائر الحجّ

في موسم الحجّ، نحذر من تناول شعائر الحجّ المقدسة وعيد الأضحى المبارك بالسخرية والاستخفاف والعياذ باللّه، فإن الاستهزاء بشعائر الله ومعالم الإسلام مُخرج من الدين، ولو كان على وجه المزاح. فدين الله ليس ملعبة للناس، قال الله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
سورة التوبة/66. وننصح من صدر منه شىء من هذه الأفعال والأقوال المخرجة من الدين بالإقلاع عنها والنطق بالشهادتين للرجوع إلى الإسلام.

والله تعالى أعلم وأحكم.