كانت السيّدة نفيسة رضي الله عنها مشهورة بالصلاح والزهد ويقال إنها حجّت ثلاثين حجّة. وكانت كثيرة البكاء تُديم قيام الليل وصيام النهار فقيل لها: ألا ترفقين بنفسك؟ فقالت: «كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبة لا يقطعها إلا الفائزون!». 

وكانت تحفظ القرءان وتفسيره، وكانت لا تأكل إلا في كل ثلاث ليال أكلة واحدة، وذكر أن الإمام الشافعي رضي الله عنه زارها من وراء الحجاب وسألها الدعاء له لعلوّ شأنها.

وقد توفيت في شهر رمضان سنة ثمان ومائتين للهجرة ودفنت في منزلها المعروف بخط «درب السباع» بمصر، ويقال إنها حفرت قبرها هذا وقرأت فيه ستة آلاف ختمة قرءان، وإنها قبل أن تُحْتَضَر كانت تقرأ القرءان إلى قوله تعالى:
﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَسورة الأنعام/12، فماتت عند قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَةَ.

دخولها مصر

قال ابن خلكان في دخول السيّدة نفيسة مصر: «إنها دخلت مصر مع زوجها إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق رضي الله عنهم وقيل مع أبيها الحسن، وزارها الإمام الشافعي في مصر حضر إليها وسمع عنها الحديث، وكان للمصريين فيها اعتقاد عظيم وهو إلى الآن باق كما كان، ولما توفي الإمام الشافعي أُدخلت جنازته إليها وصلّت عليه في دارها. ولما ماتت عزم زوجها على حملها إلى المدينة المنوّرة فسأله المصريون بقاءها عندهم ودفنت في الموضع المعروف بها الآن».

قصص عن عدلها وجرأتها

قيل لما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل، استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيّدة نفيسة يشكونه إليها فقالت لهم: «متى يركب؟» قالوا: «في غد». فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت: «يا أحمد يا ابن طولون» فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها فإذا فيها: «ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخُوّلتم فعسفتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، وقد علمتم أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم!! اعملوا ما شئتم فإنّا صابرون وجوروا فإنّا باللّه مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ( 227)» سورة الشعراء، فصار ابن طولون عادلًا من ذلك الوقت.

ويُروى أن أحد الأمراء طلب جلب رجل بتهمة هو بريء منها، فجاء الحراس واقتادوه ووضعوا القيود في يديه ورجليه وأخافوه. في الطريق مرّوا به أمام منزل السيّدة نفيسة رضي الله عنها، فقال لها ذلك الرجل المقيد: «يا سيّدتي أنا رجلٌ مظلوم وأرجو منك الدعاء»، فرفعت السيّدة نفيسة يديها وقالت: «حجب الله عنك أبصار الظالمين».

فوصل الحراس بالأسير المظلوم إلى مجلس الأمير، فقال الأمير لحراسه: «أين الرجل الذي طلبت منكم أن تأتوا به؟!» فقالوا له: «هو أمامك يا سيّدي»

قال الأمير: «ولكني لا أراه!».

فقال الحراس: «يا سيّدي عندما جلبناه مررنا بدار السيّدة نفيسة فقال لها الرجل أنا مظلوم يا سيّدتي أرجو الدعاء». فقالت السيّدة نفيسة: «حجب الله عنك أبصار الظالمين».

فانهار الأمير وبكى وقال: ألهذا الحد بلغ بي الظلم؟ يا ربّي تبتُ إليك وما عدتُ إلى ظلم أحد أبدًا، عندها ظهر الرجل المظلوم ورآه الأمير فطلب منه أن يسامحه وقبّله وهو يبكي، ثم قال: «فكّوا قيوده»، فسامحه الرجل وخرج من عنده وهو يحمد الله. رحمها الله رحمة واسعة ونفعنا الله بنفحة من نفحاتها.