الآمال تبدأ صغيرة… ثم تكبر كلما كبر الواحد منا في العمر… الصغير يحلم أحيانًا بلعبة صغيرة… بقطعة حلوى… بنزهة بين الزهور والورود… وغير ذلك… أما الكبار فيحلمون بتحقيق أمنيات وآمال أكثر من هذا بكثير… يأمل أولًا أن يجد عملًا مناسبًا… أن يحظى بسكن مريح وجيرة طيبة… وزوجة صالحة يفرح قلبه بالسكن إليها… وهي تجد الأمان والاطمئنان تحت كنفه وظلّه… قد تتحقق هذه الآمال… وقد لا نصل إلى شىء منها… والعاقل الذي يقنع بما يحصل عليه ويشكر الله على كل حال… 

تزوج خليل من سارة بعد أن وجد عملًا في إحدى المؤسسات العامة… كان يعمل محاسبًا في المؤسسة… راتبه لم يكن كبيرًا… لكنه كان يملك شيئًا من المال ورثه عن أبيه الذي توفي منذ سنوات… كان يسكن مع والدته وشقيقتين أصغر منه سنًّا.. ليلى في الجامعة وإلهام في المرحلة الثانوية… ترك خليل منزل الأسرة ووجد لنفسه سكنًا خاصًّا لا يبعد كثيرًا عن منزل أسرته….

مرّت الأيام جميلة.. شعر خلالها خليل بسعادة كبيرة… لقد حظي بحلم عمره.. كان يحب سارة كثيرًا.. وتحققت رغبته وتزوج محبوبته وعاشا أيامًا كثيرة من الفرح بعيدة عن أيّ إشكالات…تعرفت سارة على جاراتها في نفس البناء… كانت تزورهن ويزرنها… يقضين جلسات الصباح معًا ويشكون همومهن بعضهنّ لبعض… بعض هذه الجلسات مفيدة..

حين تنصح الواحدة منهن جاراتها بما هو خير لها ولأسرتها… تأمرها بمعروف وتنهاها عن منكر… تعلّمها حكمًا شرعيًّا وتنصحها بأداء الطاعات وتجنّب المحرمات… هذا أمر عظيم الفائدة… لكن للأسف ليست كل جلسات النساء على هذا النحو… بعضهن يتعلّمن خصالًا سيئة من الجارات…

وبدل النصيحة المفيدة… يثرثرن بما لا فائدة فيه… يشتغلن بالغيبة والنميمة أو نقل الأخبار الكاذبة… لم تكن سارة كثيرة الكلام أو كثيرة الطلبات… لكن رفيقات السوء صرن يعلّمنها أن تفعل كذا وكذا وأن تطلب كذا وكذا… وهكذا كان… بدأت طلباتها تكثر على زوجها… طلبت غرفة نوم  جديدة… استغرب خليل من إلحاحها… غرفتهم جديدة وغالية الثمن.. لماذا يستبدلها… لم يقبل بطلبها… قالت إنها ستترك البيت إن لم ينفذ طلبها… أصر على موقفه… وأصرت على طلبها… ثم تركت بيته وذهبت إلى منزل أهلها لتضغط عليه… غضب خليل… لكنه لم يلحق بها ولم ينفذ طلبها وتركها لفترة عند أهلها… ثم شده الحنين إليها… غلبه حبّها… وذهب إليها… وعدها بتنفيذ طلبها… عادت إلى المنزل… وفى بوعده… وأحضر لها الغرفة الجديدة… وعاد الفرح يسكن قلبه من جديد… فقد عادت إليه زوجته الغالية على قلبه…

الصاحب ساحب… كم من صاحب جرّ صاحبه إلى الخير وإلى الصراط المستقيم… وكم من صاحب أمسك بيد صاحبه إلى ما لا تحمد عقباه… أوصله إلى أبواب المعاصي وأغرقه بها… ثم يتنصل من صاحبه بعد أن أوقعه في الهلاك…

طلبت سارة من زوجها أن يشتري لها  سيارة خاصة بها… قال لها أن تستعمل سيارته ساعة تشاء… لم تقبل… أصرت على طلبها… ورضخ لها كالعادة… واشترى لها سيارة جديدة… وأضاف دَيْـنًا جديدًا إلى ديونه السابقة… لم تكن سارة تهتم لهموم زوجها المادية… كان يهمها فقط تحقيق رغباتها… ولو كان ذلك على حساب أسرتها… كثرت الديون على خليل. كانت خزنة الشركة التي يعمل فيها تحت متناول يده… وأغراه الشيطان بأخذ شىء من المال من الخزنة… أخذ مبلغًا بسيطًا ونوى إعادته في نهاية الشهر حين يقبض راتبه… لكن لم ينتبه خليل أن زميله في المكتب رآه وهو يأخذ المال… أخبر هذا الزميل الإدارة بما حصل… حققوا مع خليل… اعترف… واقتادوه إلى مركز الشرطة… اعترف هناك وهو يبكي بما فعل… حاكموه بعد ذلك… وأخذوه ليقضي فترة في السجن عقابًا له على ما فعل…

طلبت سارة الطلاق من زوجها… قالت لا يناسبها أن يقال عنها زوجة سجين… لم يتأخر خليل عن الخلاص منها… طلقها… قال… الآن خرجت من سجني الكبير الذي كان يجمعني بها… ودخلت سجنًا صغيرًا أمكث فيه بين أربعة جدران باردة… لكن المهم أنه تخلص أخيرًا من قيوده مع زوجته…

ليست كل النساء مثل سارة… بعضهن يعملن بكل جهدهن للحفاظ على الأسرة التي ينتمين إليها… حبّهن للأسرة يكسر الحبّ للنفس والمنفعة الشخصية… هن نعمة للزوج وللأبناء… وهن إلى جانب باقي الأسرة يعملن على إعطاء الوجه الجميل المشرق الذي يفرح القلب ويعطي الأمن والراحة والأمان.