لقد كان لهجرة الفاروق عمر الذي فرق بين الحق والباطل قصة شأنها شأن كل قصصه وأخباره العظيمة التي تدلّ على حبّه لدين الله واستبساله في سبيل الله واستعداده للموت في سبيل نصرة الحق. ذلك أنه عندما جاء دور سيّدنا عمر بن الخطاب قبل هجرة الرسول بسبعة أيام خرج مهاجرًا وخرج معه أربعون من المستضعفين جمعهم سيّدنا عمر في وضح النهار وامتشق سيفه وجاء «دار الندوة» وقال لصناديد قريش بصوت جهير: «يا معشر قريش من أراد منكم أن يُفصل رأسه أو تثكله أمه أو تترمل امرأته أو يُيَتّم ولده أو تذهب نفسه فليتبعني وراء هذا الوادي فإني مهاجر إلى يثرب»، فما تجرأ أحد منهم أن يحول بينه وبين الهجرة لأنهم يعلمون أنه ذو بأس وقوة وأنه إذا قال فعل.
الحكمة من الهجرة
لم تكن هجرة النّبيّ ﷺ إلى المدينة خوفًا من المشركين وهربًا منهم فهو أشجع خلق الله. وقد أعطاه الله تعالى من القوة البدنية قوة أربعين رجلًا. ولكنه هاجر امتثالًا لأمر الله عزّ وجلّ. ولم تكن هجرته طلبًا للراحة والهدوء والدنيا فهو القائل: «ما لي وما للدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راح وتركها» رواه الترمذي.
ولم تكن هجرته ﷺ تخلّيًا عن الدعوة إلى الله، بل قد هاجر النّبيّ ﷺ تنفيذًا لأمر الله تعالى وهو يعلم يقينًا أنّ دعوته دعوة حق ورسالة هدى لا بد من أن يؤدّيها ويبلّغها كما أمره الله عزّ وجلّ.
لقد كانت الهجرة النبويّة المباركة محطة تحوّل في حياة الدعوة الإسلامية، وتثبيتًا لدعائم الدين، وموعظة تستخلص منها العبر العظيمة التي منها أهمية الصبر على الشدائد والبلايا والظلم والاستبداد في سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة ونصرة الدين، كما تتجلّى في هذا الحدث الإسلامي أهمية مد يد العون إلى الأخ المسلم المحتاج ومناصرته في رفع راية الإسلام.
ربح صهيب
حين أراد الصحابي الجليل صُهيب بن سنان الهجرة إلى المدينة قال له كفار قريش: أتيتَنا صعلوكًا حقيرًا فكثر مالُك عندنا وبلغتَ الذي بلغتَ ثم تريد أن تخرج بمالِك ونفسِك لا والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب وقد ملأ الإيمانُ قلبَه: أرأيتُم إن أعطيتُكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا له: نعم. فقال: فإني قد جعلتُه لكم. فلما بلغ الخبرُ رسولَ الله ﷺ قال: «رَبِحَ صهيب، رَبِحَ صهيب» رواه ابن حبان.
عظمة الصحابي الجليل أبي بكر الصديق
من أبرز ما يظهر لنا من قصة هجرته عليه الصلاة والسلام استبقاؤه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه دون غيره من الصحابة كي يكون رفيقه في هجرته المباركة ورحلته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فلقد كان أبو بكر رضي الله عنه على قدر هذه المزية التي أكرمه الله بها وكان مثال الصاحب الصادق الوفي، ولقد رأينا في قصة هجرته مع النّبيّ ﷺ كيف أبى إلا أن يسبق رسول الله ﷺ في دخول الغار كي يجعل نفسه فداء له عليه الصلاة والسلام من أي أذى قد يلحق به، ورأينا كيف جنّد رضي الله عنه أمواله وابنه عبد الله وابنته أسماء ومولاه وراعي أغنامه في سبيل خدمة رسول الله ﷺ في هذه الرحلة الشاقة الطويلة، فلا عجب أن يقول رسول الله ﷺ في حبيبه أبي بكر رضي الله عنه: «لو كنت متخذًا خليلًا من أمّتي لاتخذت أبا بكر» رواه البخاري.