لكل زمن رجال، صحيح، ولكل زمن مواقف، صحيح، ولكل مقام مقال، حتى إن عبارة لكل زمن مصاعب ومشكلات صحيحة إلى حد ما، لذا فإن المقارنة بين الأزمنة وبين الرجال في كل زمان قد تكون صعبة نوعًا ما. لكن المؤكد أن كل واحد منا يمرّ في حياته بمواقف صعبة قد يتوهم أنها أصعب مواقف مرّت في هذا العصر لكن الحال ليس هكذا. لفتتني عبارة قالها لي أحد الأصحاب منذ فترة عندما سألته «كيفك» وهي العبارة المستخدمة في أكثر الأحيان بعد عبارة «السلام عليكم»، الإجابة أتت صادمة «في كل مرة تسألني «كيفك» أتذكر أنني لست بخير، في كل مرة تسألني كيفك أتذكر كل المصائب المنهمرة فوق رأسي، في كل مرة تسألني كيفك، آخذ هذا النفس الطويل وأقول لك بخير حتى لا أبدأ بموشح المشكلات التي أواجهها، اتركني بهمّي». 

ليس ردًا على كلامه الجارح لكن لتوجيه النصيحة لكل حاملي الهموم وملوك وملكات الدراما أكتب هذه الكلمات. عزيزي ذكرني متى كانت آخر مرة خرجت فيها من بيتك ليلًا، ليس معك سوى بعض الزاد، تاركًا منزلك ومالك وأثاث بيتك، وقطعت مسافة تزيد عن أربعمائة كيلومترًا في الصحراء؟ حسنٌ، لا أظنك قد فعلتها، لكن هناك العشرات من الناس فعلوها وقاسوا المشقات العظام وهم يفعلونها، إنهم المهاجرون يا عزيزي، إنهم من نفذوا أمر الله ورسوله، ولم يشتكوا من ذلك بل كانوا فرحين بهجرتهم من مكة إلى المدينة.

سؤال آخر، هلا ذكرتني في أي سنة وضع أهل حيّك صخرة كبيرة عليك في أشد أيام السنة حرارة في وضح النهار على رمال الصحراء الحارقة، وقاموا بجلدك وأنت في هذه الحالة؟ ربما لا تذكر لأنها لم تحصل معك وأدعو الله أن لا تحصل معك لكن هذه الحادثة حدثت مع سيّدنا بلال الحبشي، ومع ذلك بقي ثابتًا على موقفه وإيمانه.

وإلى أخواتي النساء أوجه هذا السؤال، قولي لي يا أختي: كيف سيكون شعورك لو مات أبوك وأخوك وزوجك وولدك، في حادثة واحدة، وجيء بهم كلّهم بين يديك؟ في الغالب إما سيصيبك الجنون أو قد تصابين بمرض عضال فهذا أمر عظيم، وقد تبدو هذه الحادثة صعبة التصديق لكنها حصلت عقب معركة أُحُد إذ خرجت امرأةٌ من الأنصار، فاستُقبِلت بأخيها، وبأبيها، وبزوجها وبابنها فقالت: ونبيُّ الله ما فعل؟ تريد أن تطمئن على الرسول، لم يَشغَلْها ما رأت، قلبُها متعلّقٌ برسول الله ﷺ، تريد أن تطمئن، الرسولُ كيف هو، قالوا هو بحمد الله بخير، قالت: حتى أراه، قيل لها ها هو هناك، ذهبت إليه، وأمسكت بطَرَفِ ثوبه، وقالت: يا رسولَ الله، كلُّ مصيبةٍ بعدَك هينةٌ، كُلُّ جَللٍ بعدَك هيّنٌ يا رسول الله.

قد يقول القائل: «هذه أمور حصلت في ذلك الزمان، وزمانهم غير زماننا، والمشكلات التي نواجهها اليوم مختلفة والوضع تغير». صحيح أن الزمن تغيّر وأن هذه الأمور قد لا تحصل في زماننا، لكن لو فكرنا قليلًا، وقارنا ما نحمله من مصاعب ومشكلات مع ما تكبد الصحابة في ذلك الزمان لخجلنا من أنفسنا ومن شكوانا. هؤلاء الأشخاص يا سادة وغيرهم الكثير خسروا المال وفقدوا الأهل والأولاد نصرة لدين محمّد ﷺ ودفاعًا عن دعوة محمّد ﷺ، فليس هناك وجه مقارنة بين بعض المشكلات «البسيطة» التي نواجهها في حياتنا وبين المصاعب الكبيرة التي واجهها أولئك القوم بهدف نشر الدين.

ختامًا، لكل حامل هم نقول، العبرة يا أخي ويا أختي بتقوى الله والصبر على البلايا، أما قيل:

ألا بالصبر تبلُغُ ما تريد   وبالتقوى يلين لك الحديد

هذان المفتاحان ما إن لازمهما العبد في حياته تيسّرت له الحلول بإذن الله، والصحابة ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه في فتوحاتهم إلا بتقوى الله، فالهمّ لا بد أن ينجلي مهما طال الزمان، لكن العبرة أن نتقي الله ونصبر حتى ننال الخير في الدنيا والآخرة.