في بعض أيام فصل الصيف، يتسنى لي الجلوس في مقعد السيارة الخلفي أحيانًا عوضًا عن مقعد السائق، فأتمكن عندها من رؤية الأشياء حولي من زاوية ومنظور مختلفين. 

أرى حولي كثيرًا من الشباب… يختلف المنظر قليلًا حسب البلد إلا أن الفكرة العامة تكاد تكون نفسها… منظر في الغالب، ليس جميلًا!

هنا، يتّكئ الشباب على المخاد في «القهاوي» أو يفترشون جوانب الأرصفة، المطلوب أن تكون متاحة للمشاة دون عوائق. يشربون النرجيلة وينفثون هواءها في الأماكن العامة. يطأطئون رؤوسهم على هواتفهم يتواصلون اجتماعيًّا وينقطعون مجتمعيًّا عمّن حولهم. وحين نحاول المشي على الرصيف تجدني وطفلي نذهب من جهة إلى أخرى كمن يقطع متاهةً معقدة. فتارة نتجنّب تجمّعات الشباب التي لا تحبّ الحَيِيَّات من النساء المرور أمامها خوفًا من تفحّص العيون الفارغة، وتارة أخرى نهرب من رائحة الدخان المنبعث من التجمّع. وحين نضطر للمرور من هناك يسألني طفلي الصغير الذي تربّى على رمي قاذوراته في المكان المخصص لها: «لماذا يرمي هؤلاء الناس أوساخهم في الشوارع؟ انظري كيف امتلأ الرصيف بقشر البزورات التي يأكلونها!». لا أعرف كيف أجيبه بطريقة غير مجرحة لمعشر الشباب الفارغة أوقاتهم من المفيد للنفس وللمجتمع.

أما هناك، فالشباب في «القهوة» أو على عتبات البيوت الأرضية أو يسندون حيطان الأبنية، حتى إن مجتمعهم ألّف لهم كلمة تمعن في وصفهم، وهي «الحيطيست»… لا يفعلون الكثير غير ذلك. أيضًا يتفحصون هواتفهم التي هي منفذ يخرجهم من الواقع إلى الافتراض لوهلة، ويتجاذبون أطراف حديث يتكرر. كثير منهم لم يفلحوا في دراستهم وأرادوا الانخراط في العمل، فلم يجدوا منصبًا يليق بأهدافهم وطموحاتهم على انعدام خبرتهم وقلة دراستهم وهمّتهم، فيشتكون من واقع الحال دون استعداد لبذل جهد زائد أو القيام بمبادرة في أحيائهم المفتقرة إلى أصحاب الهمم والتي يمكن أن ينهضوا بها بامتياز لو قرروا ذلك. يشتكون كثرة الأوساخ والفوضى في الطرقات، ولكن لا يحركون ساكنًا.

هناك وهنا، يصدح صوت المؤذن بالأذان، وقليل من يلبي بالمباشرة إلى الوضوء والصلاة، وأقل من ذلك من يذهب لأداء صلاته في المسجد جماعة. فإن ضاع الشباب هكذا، فمن ينهض بالأوطان والمجتمعات؟ وأي طاقة وجهد نرجو بهما تحسن الأحوال؟ أي همة نترقب منها نفعًا لأمّتنا إن ضاعت سدًى؟ إن كثرت في أوطاننا نسبة الشباب وخفت الإنتاجية، فماذا نرجو بعد؟

يا معشر الشباب، ابذلوا أوقاتكم بالنافع والمفيد، فكروا بأبعد من تسريحة الشعر والعطور الفواحة ومواقع التواصل الاجتماعي وحساباتكم المختلفة عليها وجلسات التدخين اليومية، فالمجتمع والوطن والأمّة بحاجة لطاقاتكم وهممكم وأدمغتكم إن أردنا لهم ازدهارًا.