عادات بعض الشباب تقلق الأهل لخشيتهم على أبنائهم من آثار هذه العادات… ترى بعضهم يتصرف بطيش لا يفكر بعاقبة أفعاله… بعضهم يقع في مشكلات كبيرة لا يعرف كيف يخرج منها… فيستنجد بوالديه أو أقربائه ليجد مخرجًا من مصيبة جرّه إليها تصرّف غير متّزن منه… وكثيرًا ما يتحمّل الأهل نتيجة طيش أحد أولادهم… 

العناية والمراقبة للأولاد منذ نعومة أظفارهم ومتابعة ذلك حتى عمر الشباب قد تخفّف من آثار التصرفات غير المدروسة من قبل الأبناء والبنات… لكن تجد بعض الأهالي يضعون بين أيدي أولادهم وسائل مختلفة للعب كي يتلهوا بعيدًا عنهم… وهذا باب لكوارث كبيرة وخاصة في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تغزو عالمنا اليوم…

قاسم… طالب في أحد الصفوف الثانوية… متفوق في دراسته… يتميّز بين أقرانه بأخلاقه وأدبه… يساعد رفاقه في فهم دروسهم ويشارك في معظم النشاطات المدرسية… يحبّه والداه فهو وحيدهم ليس له إخوة لا ذكورٌ ولا إناثٌ… وكان أبواه يعملان على تأمين كل حاجاته ولو على حساب أشياء أخرى مهمة بالنسبة لهما…

في السنة الأخيرة له في المدرسة… كان في حوالي السابعة عشرة من عمره… لاحظ أحد المعلمين تراجعه في الدراسة… لم يعد الأول في صفه… يرسب في بعض المواد… يتغيّب عن المدرسة دون سبب… وجهه يبدو عليه الشحوب والاضطراب… بدأ يبتعد عن رفاقه ولا يختلط بأحد منهم… حاول المدرّس التقرب من قاسم… سأله إن كان يشكو من أي شىء… وكان التهرب من المواجهة واضحًا عند قاسم… جوابه أنا متعب… وسأكون أفضل بإذن الله…

لم يقتنع المدرّس بأجوبته… اتصل بوالده وأخبره بوضع ابنه… وأبدى الوالد مثل ذلك القلق على ولده… وأخبر المدرّس أنه يعاني من تصرفات ابنه وصمته… هو يعيش الوحدة في بيته… ولا يخبر أهله عن حقيقة متاعبه وهمومه… اقترح المعلّم على الأب أن يلاحق قاسمًا ويعرف أين يذهب… فهناك رفاق سوء  كثيرون ولعل أحدهم قد أوقع الابن في مشكلة لا يعرف كيف ينجو منها…

تابع الأب تحركات ابنه… لم يجد في تحركاته ما يريب… يذهب للمدرسة صباحًا… يعود عصرًا  لبيته ويجلس وحيدًا في غرفته… مشواره الوحيد لغير المدرسة كان لمنزل صديقه وليد… ابن الجيران… يعرفه ويزوره منذ الطفولة… أخلاقه جيّدة… توفي والده في صغره… تربّيه أمه مهى… امرأة في الأربعين من عمرها… تعيش بمفردها مع ابنها.. تعمل في إحدى الشركات… وتنفق على نفسها وولدها من هذا  الراتب… يزورها أقاربها نادرًا… معظم وقتها تقضيه مع ابنها أو عند إحدى جاراتها…

في أحد الأيام طلب قاسم من والده أن يسمح له بزيارة صديقه وليد… لم يرفض الوالد… طمعًا في أن يجد ابنه بعض الراحة مع صديقه… ذهب قاسم وجلس الوالد على الشرفة ليشرب كوبًا من الشاي… بعد نصف ساعة رأى الوالد صديق ابنه… وليدًا… في الشارع يتكلم مع أحد رفاقه… استغرب الأب… قاسم قد ذهب لزيارته وها هو يراه خارج المنزل… نزل الوالد للشارع… لكنّ وليدًا كان قد اختفى… ذهب لمنزل وليد ليعرف إن كان قاسم ما يزال هناك… قرع الباب… بعد دقائق فتحت مهى الباب… صُدمت حين رأت والد قاسم… لم تعرف كيف تتصرف… وفجأة خرج ابنه سريعًا من المنزل وهو يبكي… وقف قليلًا… قال لأبيه: هي السبب… هي السبب…

وقف الأب لدقائق لا يعرف ماذا يفعل وكيف يتصرف… امرأة في الأربعين هي السبب في ضياع ولده الشاب… اعترفت الأم بكل شىء… طلبت من والد قاسم أن يستر عليهما… حاولت أن تعتذر… أسكتها الوالد وقال لها أن تتوب إلى الله وأن تستغفر الله من ذنبها… وهو سيحاول العمل على إصلاح شأن ابنه…

عاد أبو قاسم لمنزله… وجد ابنه في غرفته يبكي وبجانبه والدته تريد أن تعرف سبب بكاء ولدها… طلب منها زوجها أن تتركه مع ابنه لدقائق… تركت الغرفة وهي تبكي شفقة على ابنها… وبقي الاثنان وحدهما… انتظر أبو قاسم قليلًا.. ثم قال لولده: لا أريد أن أعرف تفاصيل ما حصل… لكن أم وليد قد اعترفت بأشياء لا ترضيني ولا أحبّ حصولها من ابني… تب إلى الله يا ابني… عاهد نفسك أن لا تعود لما كنت تفعله… ما فعلته شىء لا يرضاه الله عزّ وجلّ.. لا أدري كيف جرّتك نفسك لهذا… أنت في مقتبل عمرك… لا تبدأ حياتك بارتكاب المعاصي… تب إلى الله… ولا تذهب لمنزلها مرة أخرى…

بكى قاسم كثيرًا… ما فعله ليس هيّنًا… لام نفسه على ما فعل… ونوى التوبة الصادقة وأن يعود لسالف عهده من الجدّ والاجتهاد في الدراسة… استغفر اللهَ كثيرًا وسأله الستر على كل ما فعل… ومرّت الأيام… عاد قاسم لدراسته… نجح في امتحاناته بتفوق… أنهى دراسته الجامعية… وصار بعد سنوات مديرًا لإحدى الشركات المهمة…

يقع البعض في أغلاط كبيرة أو صغيرة… الذكي الفطن من يتوب من ذنوبه ولا يعود إليها… وصدق رسول الله ﷺ حين قال: «التائبُ من الذنب كمَنْ لا ذنبَ له» رواه ابن ماجه.