لما كان عامُ الفيل وهو العام الذي أرسل فيه حاكمُ اليمن جيشًا معه الفيل لتدمير الكعبة فأهلكهم الله تعالى وحفظ الكعبة الشريفة وُلد أفضل الخلق ماحي الظلمات خاتم النّبيّين وسيّد ولد آدم أجمعين ألا وهو محمّد بن
عبد الله، هو فخر ربيعة ومُضر، هو من انشقّ له القمر وسلّم عليه الحجر وسعى لخدمته الشجر، صلوات ربّي وسلامه عليه.
وكانت ولادته عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة في شهر ربيع الأول يوم الاثنين، ففي صحيح مسلم أن أعرابيًّا سأل المصطفى عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذاك يومٌ وُلِدْتُ فيه…» رواه مسلم.
ووقعَتْ خوارق حالَ ولادتِه ﷺ تدُلّ على رفعة شأنه وعلوّ منزلته ﷺ منها أنّ أمّه آمنة بنت وهب رأت حين وضعته نورًا خرج منها أضاء وانتشر حتى رأت قصور بُصرى، وهي مدينة بالشام، وقد أضاءت تلك القصور من ذلك النور كما ورد ذلك في عدّة أخبار عند الإمام أحمد وغيره. ونزل ﷺ من بطن أمّه على الأرض شاخصًا رافعًا بصره إلى السماء لكونها من الآيات الباهرة الدالة على وحدانيته تعالى ومهبطَ الوحي ومنزلَ الملائكة.
وفي حديث مخزوم بن هانئ عن أبيه وكان قد أتت عليه مائة وخمسون سنة أنه قال: لمّا كانت الليلة التي وُلد فيها رسول الله ﷺ انكسر إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان (وهو كقاضي القضاة عند المسلمين) في منامه إِبِلًا صِعابًا تقود خيلًا عِرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ما وقع، فسأل علماء أهل مملكته عن ذلك فأرسلوا إلى أحد الكهّان… أي أن كسرى أفزعه ما رأى فلبس تاجه وأخبر قادته ما رأى فورد عليه كتاب بخمود النار فقال الموبذان: وأنا رأيت في هذه الليلة، وقصّ عليه رؤياه في الإبل، فقال له: وأي شىء يكون هذا؟ فقال: «حادث من ناحية العرب»…
وقد وُلد النّبيّ عليه الصلاة والسلام يتيمًا، وإن والدَه عبد الله بن عبد المطلب مات وهو ابن خمس وعشرين سنة، والنّبيّ عليه الصلاة والسلام كان حينئذٍ حملًا.